السائل: هل يجوز الاعتبار بكلام ابي حنيفة واصحابه ؟
الجواب:
الحمد لله وبعد،
سألتك عن الإمام الشافعي فقلت : الشافعي مسلم وعلى منهج الصحابة والتابعين.
أقول: فإنا نجد الإمام الشافعي رحمه الله في مواضع من كتابه الأم يترضى عن ابي حنيفة وعن محمد بن الحسن ولا نجده يصنع ذلك بمالك رحمه الله وعلماء آخرين. بل يترحم عليهم وعلى ابي حنيفة ومحمد بن الحسن.
وهذه بعض تلك المواضع التي تبين لك المقصود:
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ لَا تُشْعِرُ الْبُدُنَ وَيَقُولُ: الْإِشْعَارُ مُثْلَةٌ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: الْإِشْعَارُ فِي السَّنَامِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَبِهِ يَأْخُذُ
سَهْمُ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ وَتَفْضِيلِ الْخَيْلِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُضْرَبُ لِلْفَارِسِ بِسَهْمَيْنِ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ وَيُضْرَبُ لِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ «أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ» وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفَرَسُ وَالْبِرْذَوْنُ سَوَاءٌ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا سَلَفَ حَتَّى هَاجَتْ الْفِتْنَةُ لَا يُسْهِمُونَ لِلْبَرَاذِينِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكْرَهُ أَنْ تُفَضَّلَ بَهِيمَةٌ عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَيُجْعَلَ سَهْمُهَا فِي الْقَسْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَهْمِهِ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا قَتْلَ غِيلَةٍ أَوْ غَيْرَ غِيلَةٍ فَذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا قَتَلَهُ قَتْلَ غِيلَةٍ مِنْ غَيْرِ ثَائِرَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَيْسَ لِوُلَاةِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوا عَنْهُ وَذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ يَقْتُلُ فِيهِ الْقَاتِلُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْدَقُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}
وهذه مواضع من كلامه عن الإمام مالك رحمة الله عليه:
(قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّا نَقُولُ فِي الَّذِي يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ إنَّهُ إنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ الثُّنْيَا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ إنْ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الثُّنْيَا وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أَوْ قَالَ ذَلِكَ سَهْوًا، أَوْ اسْتِهْتَارًا فَإِنَّهُ لَا ثُنْيَا وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ حَنِثَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنَّهُ إنْ حَلَفَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ نَسَقَ الثُّنْيَا بِهَا، أَوْ تَدَارَكَ الْيَمِينَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ يَمِينِهِ وَلَمْ يَصِلْ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْيَمِينِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ نَسَقًا بِهَا تِبَاعًا فَذَلِكَ لَهُ اسْتِثْنَاءٌ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ فَلَا اسْتِثْنَاءَ لَهُ
بَابُ الْغُسْلِ بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ مَا لَمْ تَكُنْ حَائِضًا أَوْ جُنُبًا قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَنْتَ تَقُولُ بِقَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَسْت أَرَى قَوْلَ أَحَدٍ مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةً إنَّمَا تَرَكْتُهُ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ وَعَائِشَةُ فَإِذَا اغْتَسَلَا مَعًا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ صَاحِبِهِ» وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةً عَلَى السُّنَّةِ وَتَجْعَلُونَ سُنَّةً أُخْرَى حُجَّةً عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَلَعَلَّكُمْ لَا تَكُونُونَ تَرَكْتُمُوهُ عَلَيْهِ إلَّا بِشَيْءٍ عَرَفْتُمُوهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ قَالَ: مَالِكٌ: لَا صَدَقَةَ إلَّا فِي عَيْنٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعَرْضِ الَّذِي يُدَارُ صَدَقَةٌ.#
هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم . رواه البخاري ومسلم. وقد كان ابو حنيفة رحمه الله من اهل القرن الاول والثاني ، بل كان من افقههم واعلمهم ، ولا نزعم انه معصوم بل نخالفه في اخراجه العمل من الإيمان، وقد حذر الصحابة رضي الله عنهم من زلة العالم. فينبغي ترك زلته والانتفاع بعلمه. ومن رماه بكفر فهو جاهل لانه رمى اهل خير القرون بالرضى بالكفر ولا حول ولا قوة الا بالله. ومن اراد الكيد للدين فانه يكيد لاعلامه وائمته لاسقاطهم وتنفير الناس عنهم، ومن اراد عيب الاسلام فانه يبدأ بمحمد صَلَّى الله عليه وسلم، ولم يأت احد بنصرة الدين وبيان الحق الا عودي كما عودي ابو بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم وعودي عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتل شهيدا وعلي وقتل شهيدا فانهم ائمة الهدى . وقد نشر ابو حنيفة علوما جمة من اراد الكيد للدين لا بد له من اسقاطه وعيبه، حتى وجدتهم يعيبونه باشياء تافهة، يقولون قال: اخطأ عمر. وما العيب في هذا القول عمر رضي الله عنه ثاني الخلفاء وخير هاته الامة بعد نبيها وبعد ابي بكر ومع هذا يجوز عليه الخطأ كما يخطئ بنو آدم.
ولهذا ونحن في آخر الزمان ينبغي التثبت والتحري وعدم تصديق كل ما يروج في وسائل التواصل، والتماس العذر للسلف رحمهم الله فانهم لم تكن عندهم محركات البحث والكمبيوترات والكتب الالكترونية بل كانوا يتلقون العلم عن الرجال ويسافرون في طلب العلم ويجتهدون فيصيبون ويخطئون ، وكان ابو حنيفة منهم فانه كان حافظا عالما بكتاب الله وما خفي عليه وجهه من الحديث فانا نحمله على المحمل الحسن ، وذلك ان الفتوى ضرورة وفرض كفاية ولا بد للمسلمين من مفتي مجتهد يسألونه عن دينهم ويفتيهم بما عنده من علم الكتاب والسنة والاجتهاد ، ولو ترك الناس ورأيهم ولم يفتهم الفقهاء الذين هم اعلم بالكتاب والسنة لأتوا بالعجب فان شعوبا باكملها دخلت الإسلام في فترة وجيزة وسألوا عن مسائل لا يحصيها الا الله ، ولا يجوز ان يقال لهم في كل مسألة اعملوا ما شئتم!
وصلى الله وبارك على نبينا محمد وآله الطيبين وارضى اللهم عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وارضى عنا معهم واحشرنا في زمرتهم انك عفو كريم سميع قريب مجيب. آمين.
Comentarios