مرتدون أو كفار أصليون
- جماعة المسلمين وإمامهم
- 20 أبريل
- 14 دقائق قراءة
الرد على شبهة الدوسني ونظراءه المدعين بأن قومنا مرتدون وليسوا كفار أصليون.
الوزير أبو جاد:
فشبهة القوم كما سمعت يا اخوتي بنوها على بعض اقوال العلماء نقرأ بعضا منها من كتاب أحكام أهل الملل والردة للخلال :
قال ابو بكر الخلال: أَخْبَرَنَا أبو بكر المروذي فِي موضع آخر، قَالَ: قَالَ لي أبو عبد الله: إذا قَالَ اليهودي، أو النصراني: لا إله إلا الله فهو مسلم.
واحتج بحديث ابن عباس: مرض أبو طالب.
ص299
و أَخْبَرَنِي حرب، قَالَ: سئل أحمد عن نصراني قَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنما شهدت شهادة، ولم أرد الإسلام؟ قَالَ: يضرب عنقه، ويجبر عَلَيْهِ.
ص293
و أَخْبَرَنَا أبو داود، قَالَ: قلت لأبي عبد الله: رجل قَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: يجبر عَلَى الإسلام، وأنكر عَلَى من يقول: لا يجبر.
ص293
فهنا نرى انه نقل عن الامام ابي عبد الله احمد ابن حنبل انه افتى بإسلام من قال لا اله الا الله ولو لم يرد بها الاسلام يعني هازلا او شيءً من هذا القبيل.
و نقل عنه ايضا في نفس الكتاب انها انما تقبل ممن أراد الإسلام.
قال الخلال: أَخْبَرَنِي عبد الله بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا بكر بن مُحَمَّد، عن أبيه، قَالَ: قَالَ أبو عبد الله: أصحاب أبي حنيفة يقولون: وهو بريء من دينه، وإلا فلا يكون مسلما.
قَالَ أبو عبد الله: إذا قَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، إذا جاء يريد الإسلام فهو مسلم، وأما إذا قَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهو لا يريد الإسلام لم أجبره
ص295
و أَخْبَرَنِي محمد بن أبي هارون، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أبي هاشم، قَالَ: دفع إلي فوزان شيئا من مسائل أبي عبد الله، قَالَ: سألته، قَالَ: قُلْتُ: اليهود يقول بعضهم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
فَقَالَ: إذا لم يرد الإسلام.
ص 295.
وأَخْبَرَنِي محمد بن علي، قَالَ: حَدَّثَنَا صالح، أنه قَالَ لأبيه: اليهودي والنصراني إذا قَالَ: أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قَالَ: لم أرد الإسلام، هل يجبر؟ قَالَ: أما اليهودي فيجبر؛ لأنه يوحد، وأما النصراني والمجوسي فلا؛ لأنهم لا يوحدون.
ص294
فكما رأينا هناك اختلاف في الاقوال المنسوبة الى الامام احمد ابن حنبل وذلك قد يكون لأسباب منها اختلاف حال الكافر المسؤول عنه او اختلاف افهام الاصحاب الناقلين عنه -كما اختلف اصحاب الامام الشافعي في قوله كرهت كذا فحمله البعض على كراهة التحريم والبعض الاخر على كراهة التنزيه-.
فما في الامر ان المسألة مسألة فقهية قد يظهر للبعض ان العلماء اختلفوا فيها لكن في الحقيقة الاختلاف راجع لحال الكافر، و قد بين عدة أئمة منهم الشافعي والطاحوي القولَ الفصل فيها ننقل بعضها ان شاء الله تعالى.
كتاب الأم للشافعي | باب المرتد الكبير
قال الشافعي رضي الله عنه: والإقرار بالإيمان وجهان: فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدَّعي أنه دينُ نبوةٍ ولا كتاب، فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد أقر بالإيمان ومتى رجَع عنه قتل. [قال]: ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدَّعون دينَ موسى وعيسى صلواتُ الله وسلامُه عليهما، وقد بدلوا منه وقد أُخِذ عليهم فيهما الإيمانُ بمحمدٍ رسولِ الله ﷺ فكفروا بتركِ الإيمانِ به واتباعِ دينِه مع ما كفروا به من الكذبِ على الله قَبْلَه، فقد قيل لي إن فيهم من هو مقيمٌ على دينه يشهد أن لا إله إلا اللهُ وأن محمدا عبده ورسوله ويقول لم يبعث إلينا، فإن كان فيهم أحدٌ هكذا فقال أحد منهم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله لم يكن هذا مستكملَ الإقرار بالإيمان حتى يقول وإن دينَ محمد حقٌ أو فرضٌ وأبرأُ مما خالف دينَ محمد ﷺ أو دينَ الإسلام، فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرارَ بالإيمان، فإذا رجَع عنه استتيب فإن تاب وإلا قتل.
وإن كان منهم طائفةٌ تُعرف بأَن لا تُقِّر بنبوة محمد ﷺ إلا عند الإسلامِ، أو تزعم أن من أقر بنبوته لزِمه الإسلام، فشهدوا أن لا إله إلا اللهُ وأن محمدا عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرارَ بالإيمان فإن رجِعوا عنه استتيبوا فإن تابوا وإلا قتلوا*. انتهى
شرح معاني الآثار | كتاب السير | باب ما يكون الرجل به مسلما ج٣ص٢١٤
قال ابو جعفر الطحاوي: حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : ثنا سعيد بن المُسَيِّب ، أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله ، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله .
قال أبو جعفر : فقد ذهب قوم إلى أن من قال : ( لا إله إلا الله ) ، فقد صار بها مسلما ، له ما للمسلمين ، وعليه ما على المسلمين ، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار .
وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا لهم : لا حجة لكم في هذا الحديث ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يقاتل قوما لا يوحدون الله تعالى ، فكان أحدهم إذا وحد الله علم بذلك تركه لما قوتل عليه وخروجه منه ، ولم يعلم بذلك دخوله في الإسلام ، أو في بعض الملل التي توحد الله تعالى ، ويكفر بجحدها ، وغير ذلك من الوجوه التي يكفر بها أهلها مع توحيدهم لله .
فكان حكم هؤلاء أن لا يقاتلوا إذا وقعت هذه الشبهة ، حتى تقوم الحجة على من يقاتلهم وجوب قتالهم .
فلهذا كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال من كان يقاتل بقولهم : ( لا إله إلا الله ) .
فأما من سواهم من اليهود فإنا قد رأيناهم يشهدون أن لا إله إلا الله ، ويجحدون بالنبي صلى الله عليه وسلم .
فليسوا بإقرارهم بتوحيد الله مسلمين إن كانوا جاحدين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أقروا برسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك خروجهم من اليهودية ، ولم يعلم به دخولهم في الإسلام ؛ لأنه قد يجوز أن يكونوا انتحلوا قول من يقول : ( إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) إلى العرب خاصة .
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَ بن أبي طالب ، حين بعثه إلى خيبر وأهلها يهود بما حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دفع الراية إلى علي حين وجهه إلى خيبر قال : امض ولا تلتفت ، حتى يفتح الله عليك .
فسار علي شيئا ، ثم وقف ولم يلتفت ، فصرخ : يا رسول الله ، على ماذا أقاتل ؟
قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله .
قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أباح له قتالهم وإن شهدوا أن لا إله إلا الله حتى يشهدوا مع ذلك أن محمدا رسول الله ؛ لأنهم قوم كانوا يوحدون الله ، ولا يقرون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بقتالهم حتى يعلم خروجهم مما أمر بقتالهم عليه من اليهودية ، كما أمر بقتال عبدة الأوثان حتى يعلم خروجهم مما قوتلوا عليه .
وليس في إقرار اليهود أيضا بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ما يجب أن يكونوا مسلمين .
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بترك قتالهم إذا قالوا ذلك ؛ لأنه قد يجوز أن يكونوا أرادوا به الإسلام أو غير الإسلام .
فأمر بالكف عن قتالهم حتى يعلم ما أرادوا بذلك ، كما ذكرنا فيما قد تقدم من حكم مشركي العرب .
وقد أتى اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقروا بنبوته ولم يدخلوا في الإسلام ، فلم يقاتلهم على إبائهم الدخول في الإسلام إذ لم يكونوا - عنده بذلك الإقرار - مسلمين .
عن صفوان بن عسال ، أن يهوديا قال لصاحبه : تعال نسأل هذا النبي .
فقال له الآخر : لا تقل له نبي ؛ فإنه إن سمعها صارت له أربعة أعين .
فأتاه فسأله ، عن هذه الآية : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات .
فقال : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تفروا من الزحف ، وعليكم خاصة اليهود ، أن لا تعدوا في السبت .
قال : فقبلوا يده ، وقالوا : نشهد أنك نبي . قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ؟
قالوا : إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي ، وإنا نخشى إن اتبعناك ، أن تقتلنا اليهود .
قال أبو جعفر الطحاوي : ففي هذا الحديث أن اليهود قد كانوا أقروا بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع توحيدهم لله ، فلم يأمر بترك قتالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقروا بجميع ما يقر به المسلمون .
فدل ذلك أنهم لم يكونوا بذلك القول مسلمين ، وثبت أن الإسلام لا يكون إلا بالمعاني التي تدل على الدخول في الإسلام ، وترك سائر الملل .
وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك .
5128 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وصلوا صلاتنا ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا ، حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم .
قال أبو جعفر : فدل ما ذكر في هذا الحديث على المعنى الذي يحرم به دماء الكفار ، ويصيرون به مسلمين ؛ لأن ذلك هو ترك ملل الكفر كلها ، وجحدها .
والمعنى الأول من توحيد الله خاصة هو المعنى الذي نكف به عن القتال ، حتى نعلم ما أراد به قائله ، الإسلام أو غيره ، حتى تصح هذه الآثار ولا تتضاد .
فلا يكون الكافر مسلما محكوما له وعليه ، بحكم الإسلام حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويجحد كل دين سوى الإسلام ، ويتخلى منه .
- كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثنا حسين بن نصر ، قال : ثنا نعيم [ ص: 216 ] بن حماد ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، قال : ثنا أبو مالك سعد بن طارق بن أشيم ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، ويتركوا ما يعبدون من دون الله ، فإذا فعلوا ذلك حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله تعالى.
حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عبد الله بن بكر ، قال : ثنا بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قلت : يا رسول الله ، ما آية الإسلام ؟
قال : أن تقول : أسلمت وجهي لله ، وتخليت ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتفارق المشركين إلى المسلمين .
فلما كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة ، لما سئل عن آية الإسلام أن تقول : أسلمت وجهي لله ، وتخليت ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتفارق المشركين إلى المسلمين ، وكان التخلي هو ترك كل الأديان إلى الله ثبت بذلك أن كل من لم يتخل مما سوى الإسلام ، لم يعلم بذلك دخوله في الإسلام .
وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمة الله عليهم أجمعين. انتهى كلام ابي جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى. #
تعقيب المستقوي بالله:
الحمد لله وبعد، فان قول الإمام الشافعي رحمه الله هو القول الفصل في المسالة و ما نقلته بارك الله فيك عن ابي جعفر الطحاوي فانه موافق للإمام الشافعي من وجه ومخالف له من وجه. أما ما اتفق فيه الطحاوي مع الإمام الشافعي رحمه الله فهو عدم قبول اسلام من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وهو من قوم يقولون ان محمدا صلى الله عليه وسلم لم يبعث اليهم. واما ما خالف فيه فزعمه ان كل قائل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله من اليهود لا يكون مسلما الا بعد سماع براءته من دينه. وانه يكف عن قتاله حتى يعلم ما اراد بقوله. وهو ينسب القول الى ابي حنيفة رحمه الله وصاحبيه فان صح ذلك فهو مذهب. والصحيح ما قاله الشافعي رحمه الله ان من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهو من قوم لا يقولونها الا من اراد منهم الإسلام فيكون قولها بشهادة من أهل الإسلام إسلاما وبيعة على الإسلام. واذا رجع عنها استتيب او قتل كما قال الشافعي رحمه الله ، وكما ذكرت في خطبة الشهادة توحيد والتوحيد شهادة التي كتبتها وسمعتموها بتوفيق من الله قبل قراءة كلام الشافعي رحمه الله وكلام الطحاوي الذي بلغناه اخوكم الوزير ابو جاد حديثا.
فنستخلص و نقول بحول الله وقوته:
انه لا يحكم بإسلام من كان ملازما مقيما على ناقض يمنعه من ذلك ولو قال لا اله الا الله او زاد عنها ما شاء حتى يأتي بما يبين به للمسلمين توبته ورجوعه عن إيمانه بما خالف به الشهادة، قال المولى جل ذكره: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة : 11]
فإِنْ كَانَ الْكَافِرُ وَثَنِيًّا أَوْ ثَنَوِيًّا لَا يُقِرُّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، فَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يشهد المسلمين على قوله كان ذلك منه إسلاما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة رضي : أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله. وقوله لقريش: قولوا لا اله الا الله تفلحوا. وقوله لابي طالب: قل لا اله الا الله كلمة اشهد لك بها عند الله يوم القيامة.
وَمن كَانَ مُقِرًّا بِالْوَحْدَانِيَّةِ، مُنْكِرًا نُبُوَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كحال بعض فرق اليهود-، لَمْ تقبل منه لا اله الا الله حَتَّى يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، فَإِنْ كَانَ يَقُولُ: الرِّسَالَةُ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، لَمْ تقبل منه لا اله الا الله محمد رسول الله حَتَّى يَقُولَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْق، وَإِنْ كَانَ من طائفة تقول لا اله الا الله محمد رسول الله الى الناس كافة واشتهر عنها كفر كجُحُودِ فَرْضٍ أَوِ استحلال مُحَرَّمٍ، لَمْ يقبل منه القول حَتَّى يأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَيرْجِعَ عَمَّا خالف به الاسلام، وحجة ذلك رفض اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم باسلام مانعي الزكاة مع قولهم الشهادتين وصلاتهم مستقبلين الكعبة وصيامهم رمضان وأكلهم ذبيحة المسلمين.
وأما الحديثان الذين اوردهما الطحاوي فهما صحيحان ووجههما عندنا كالآتي:
١. قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله .
معناه قاتلهم حتى يسلموا، لان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله تقتضي اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ومبايعته على الإسلام، واما الذين يقولون لم يبعث الينا فقد نقضوا الشهادة التي شهدوا بها وخالفوها . والمقصود بالحديث من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صادقا، وليس من كان كاذبا كحال من وصفت صفتهم، فهم كاذبون في شهادتهم ان محمدا رسول الله ولو كانوا صادقين لاقروا بالاتباع واطاعوه عملا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
واما الطحاوي فقد زعم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اراد بالحديث قتالهم حتى يعلم خروجهم من دينهم الذي يقاتلون عليه، وهم يقاتلون على اليهودية ، وسواء جحدوا النبوة او جحوا بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الى الناس جميعا ففي كلتا الحالتين يكونون يهودا. يعني اذا قالوا اشهد ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وهم يزعمون انه لم يبعث اليهم فانهم لم يخرجوا من اليهودية.
والصحيح ان المعني في الحديث هم الذين يشهدون الشهادتين صادقين منقادين لما تقتضيه لان من شهد الشهادتين صادقا منقادا لا يمكن ان يقع منه كفر، فان الكفر كله هو ضد شهادة أن لا إله إلا الله وبعض الكفر يناقض شهادة أن محمد رسول الله . وشهادة ان لا اله الا الله تقتضي الشهادة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم نقض لا اله الا الله وكان كاذبا في دعواه.
فلا اله الا الله اصل كل حق على الاطلاق ثم شهادة ان محمد رسول الله اصل كل حق جاء به محمد صلى الله عليه . وانكار الخبر القطعي الذي جاء به محمد صَلَّى الله عليه وسلم هو نقض شهادة أن محمد رسول الله . وتكذيب رسول الله هو تكذيب لله لانه تكذيب لكلامه ومعصية لاوامره وركوب لما نهى عنه. وهذا نقض لا اله الا الله.
٢. الحديث الثاني الذي ذكره الطحاوي
قال : فقبلوا يده ، وقالوا : نشهد أنك نبي . قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ؟
قالوا : إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي ، وإنا نخشى إن اتبعناك ، أن تقتلنا اليهود .
الوجه عندنا في هذا الحديث أنه مثل حديث ابن الخصاصية يقول يا رسول الله اما اثنتان فلا أطيقهما. وحديث خالد بن الوليد: ان الرجل لنبي اذهب والله فأسلم. وحديث هرقل: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ ؟ فهذا الاقرار والمعرفة الذي لا يكون إسلاما بلا بيعة واتباع وانقياد.
والقول الجامع أن من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يريد بها بيعة الإسلام واتباع جماعة المسلمين فهو مسلم عند الجميع، ومن قالها ثم زعم انه لا يريد بها بيعة الإسلام، ولزوم الجماعة فينظر الى حال القائل، ان علم صدقه في عدم ارادته الإسلام بقوله فلا يكون قد أسلم في الحقيقة ولا يحكم القاضي باسلامه ثم ردته. واذا علم كذبه في ادعاءه انه لم يرد الإسلام بقولها لم يكن قد أسلم في الحقيقة ولا يحكم القاضي باسلامه ثم ردته. واذا كان صادقا ولم يعلم القاضي صدقه ، فانه يكون لم يسلم في الحقيقة ولكن القاضي يحكم بردته. وان كان كاذبا في ادعاءه انه قال اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله لا يريد بها الاسلام، لكن صدقه القاضي ولم يعلم كذبه، يكون قد اسلم ثم ارتد، لكن القاضي لا يحكم بردته.
وقد جعل الإمام الشافعي حكم العموم هو الفصل في تصديقه وتكذيبه يعني يحكم عليه بحكم قومه. ان كان من قوم يقولون أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهم لا يريدون الإسلام، حكم بانه لم يدخل الإسلام . وان كان من قوم لا يقولونها الا اذا ارادوا الإسلام والبيعة والاتباع لجماعة المسلمين حكم باسلامه واذا رجع عنها كان مرتدا.
وهكذا نقول فيمن قالها اثناء القتال، اذا علم انه من قوم لا يقولون الشهادتين الا من اراد الإسلام فان قولهم الشهادتين يكون اسلاما وبيعة، كما نعلم ان من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشهد أن أمة محمد أهل كتاب وأن من لم يبايع الجماعة فليس بمسلم انه دخل الإسلام اذا قالها مشهدا على ذلك اهل الجماعة.
ومن كان من قوم يقولون أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهم لا يريدون بذلك بيعة الإسلام واتباع الجماعة فان قولهم لا يكون إسلاما حتى يدخلوا من كل الابواب التي خرجوا منها، كما ان قول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لم يمنع ابا بكر الصديق والصحابة من إكفار مانعي الزكاة وقتالهم كقتال المشركين سواء.
هذا مع التنبيه على امر هام اشار اليه الإمام ابو عبيد في كتابه الايمان، انصح بمراجعته، فان استكمال الاقرار بالإيمان يختلف من زمن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة الى زمن ما بعد الهجرة ونزول الفرائض. ففي بداية الدعوة كان يكفي الاقرار بالتوحيد والنبوة، ثم اضيفت الصلاة الى الاقرار واضيفت الزكاة وهكذا حتى اضيف الجهاد الى الإقرار . فلا يكون مستمكلا الاقرار بالإيمان الا من اقر بكل ما فرضه الله على العباد ، حسب الزمن والمكان الذي يتواجد فيه العبد المقبل على الإسلام والحال التي تتواجد فيها جماعة المسلمين وإمامهم.
ونحن في واقعنا اليوم الذي ينبغي معرفته والذي يوافق قول العلماء رحمهم الله:
١. من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهو مقيم على الشرك فليس بمسلم.
2. من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن أمة محمد أهل كتاب وأن من لم يبايع الجماعة فليس بمسلم يريد بذلك البيعة على الإسلام واتباع الجماعة فهو مسلم.
واما استدلال الجهال المعاصرين بكلام الإمام احمد على اسلام الشعوب والحكم عليها بالردة فلا وجه له وهو استدلال مع الفارق. فان احمد بن حنبل عاش في القرن الثاني وبداية القرن الثالث حيث توجد جماعة المسلمين وتوجد دار الإسلام ومعالم دين الإسلام منتشرة ودعوة التوحيد مشتهرة والمسلمون ظاهرون. اما اليوم فليست هناك دار إسلام ولا جماعة ممكنة ولا معالم الدين منتشرة ولا دعوة التوحيد مشتهرة. لهذا استدلالهم باطل من اصله وبعيد كل البعد عن اصابة الحق. ولولا الفائدة المرجوة من التطرق لهذا الموضوع ، التي تكمن في تذكير المؤمنين وتدريس معالم الدين ، لاغنانا عن الرد على شبهتهم ان فسادها وبطلان القول بها أمر أوضح من الشمس في اليوم الحار بلا غيوم. ولا سهل الا ما سهله الله.
وما التوفيق الا من الله.
بقيت مسألة سئلت عنها ، هل هذا الخلاف معتبر أو ليس كذلك، وهل يكفر من ادعى هاته الدعوى او لا يكفر.
الحمد لله وبعد، فان عدم دخول هاته الأقوام الى الإسلام ينبغي أن يكون من أوضح الواضحات وأجلى الجليات ، ومن زعم انهم دخلوا الإسلام بنطقهم الشهادتين فهذا لم يعرف الإسلام أصلا ، لان دخول الإسلام يكون ببيعة الإسلام وهاته الشعوب لا جماعة لها ولا بيعة ولا امام، وهذا المفتي المدعو الدوسني هو كذلك مثل الشعوب لا جماعة له ولا بيعة ولا إمام فيما نعلم. والحمد لله الذي عافانا من داء الجهلة الذي يتكلمون فيما يحسنون وما لا يحسنون ويطلقون العنان لالسنتهم للكذب على الله ، ويجادلون بالباطل. ولا حول ولا قوة الا بالله.
واما الخلاف المعتبر فيكون ذلك لو ان الصحابة والعلماء بعدهم اختلفوا في مسألة من المسائل ، ولكننا لا نجدهم تكلموا عن الحال التي نعيشها اليوم، ونحن لا يمكن ان نتصور بان الصحابة يحكمون بدخول هاته الشعوب الى الإسلام، ولا يمكن ان نتصور ايضا ان مسلما بلغته دعوة جماعة المسلمين وإمامهم واقر بها وبايع على التوحيد وبرئ من الفرق الضالة جميعا ، وشهد عليهم بالكفر، ان يقول بهذا القول، الا من جحد النصوص القطعية التي تدل على ان الإسلام يكون بالبيعة ولزوم الجماعة، فهذا يكون كفرا وردة عن الإسلام.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
الله صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
اقتراح الوزير أبو جاد.
تعديل وتتميم المستقوي بالله.
24 ربيع الثاني 1446
Comments