بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وصلى الله على رسول الله وعلى آله الطيبين ورضي الله عن صحبه أجمعين.
أيها المسلمون الكرام،
إن الإسلام دين الله الحق الذي جمع بين الناس على أساس التوحيد والعدل، بعيدًا عن العصبيات الجاهلية والتفرقة على أساس العرق أو اللون أو اللغة. قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات: 13).
لقد وحّد الإسلام بين العرب والأمازيغ وغيرهم، فجعلهم إخوة متساوين في الحقوق والواجبات، متآلفي القلوب، متراصي الصفوف، هدفهم مرضاة الله، وعدوهم المشترك هو الشيطان وأعوانه. لكن في عصرنا، نجد أن الدولة الوطنية الحديثة قد عجزت عن تحقيق هذا التلاحم، بسبب التناقضات الفكرية والصراعات الإيديولوجية التي مزقت الأمة الواحدة إلى طوائف وأحزاب متناحرة، تسعى كل منها لتحقيق أجنداتها الخاصة.
من أبرز ما يعاني منه الناس اليوم هو انتشار العصبيات القبلية والعرقية داخل الدولة الوطنية، وهو ما ينافي مبادئ الإسلام. إن ديننا يرفض هذه العصبيات، ويجعل الشرط الوحيد للموالاة هو الإيمان بالله. عن عَمْرو بْنَ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ : " إِنَّ آلَ أَبِي - قَالَ عَمْرٌو فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ : بَيَاضٌ - لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ، أَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا ". يَعْنِي أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا. رواه البخاري ومسلم بمثله.
العلمانية وفصل الدين عن الدولة
من أكبر الشعارات التي رفعت في هذا العصر، والتي ساهمت في ابعاد الناس كل البعد عن الإسلام، هو شعار "فصل الدين عن الدولة". يدّعي دعاة العلمانية أن الدين يجب أن يُعزل عن شؤون الحكم والسياسة، لكن هذا الزعم باطل. الحقيقة أن ما يفرضونه من قوانين وضعية وتحليلهم وتحريمهم وفق أهوائهم، هو دينهم الذي يسيرون به أمور الدولة، بينما ينحون شريعة الإسلام بحجة المدنية والحداثة.
إن الإسلام هو الدين الشامل الذي ينظم شؤون الحياة كلها، بما فيها السياسة والحكم، وهو الدين الذي أتاح لأهل الكتاب وغيرهم ممارسة شعائرهم وتسيير شؤونهم الداخلية فيما بينهم في ظل دولة الخلافة وثوابت الإسلام، دون ظلمهم أو إكراههم على الإيمان. أما دعاة العلمانية، فقد ضيقوا على الناس، وجعلوا أهواءهم وقوانينهم الوضعية دينًا مفروضا على الجميع، وحصروا التدين في الشعائر الفردية فقط.
الدولة الوطنية وصراعاتها الداخلية
إن الدولة الوطنية، التي تأسست على أساس الحدود الجغرافية والمفاهيم الغربية، عجزت عن تحقيق الوحدة الحقيقية للأمة. نجدها تستهلك طاقاتها في صراعات فكرية وإيديولوجية بين العلمانيين والمحافظين، وبين الاشتراكيين والرأسماليين، بل وحتى بين المنتسبين إلى المرجعية الإسلامية أنفسهم. هذا التناقض لا يؤدي إلا إلى إضعاف الأمة، وإهدار جهودها في خلافات لا تخدم مصالحها بل تجعلها فريسة سهلة لكل متربص بخيراتها ومواردها، ويفتح الباب لأخس الأمم من أجل التحكم في مصيرها.
الحل: الرجوع إلى الإسلام الشامل
الحل يكمن في الرجوع إلى الإسلام بشموليته وعدله، وإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، حيث تكون المرجعية الحاكمة هي الكتاب والسنة، ويُلغى كل ما يخالف شرع الله. إقامة هذه الدولة لا تعني إكراه الآخرين على الإيمان أو تجريم معتقداتهم، بل تضمن لهم حقوقهم الكاملة في ممارسة شعائرهم ودينهم، مع دعوتهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال الله تعالى: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: 125).
أيها الناس، إن الإسلام هو الدين الذي يحقق العدل بين الناس، ويوحد صفوف الأمة على أساس الإيمان والتقوى، وليس على أساس العرق أو اللون أو المصالح القومية الضيقة. فلنعمل جميعًا على نبذ العصبيات، وإزالة الفوارق التي زرعها عدوكم إبليس وذريته وأعوانه بين بني آدم، خليفة الله في أرضه. وندعوكم إلى ديننا الذي ارتضاه الله لنا والذي يجعلنا أمة واحدة متحدة موحدة عزيزة شامخة بين أمم الأرض كلها.
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجمع كلمتنا على الحق.
وصلى الله على رسول الله وعلى آله الطيبين ورضي الله عن صحبه أجمعين.
Comments