لا إسلام إلا ببيعة
- جماعة المسلمين وإمامهم
- 25 مارس
- 11 دقائق قراءة
خطبة بعنوان ( لا اسلام الا ببيعة )
بسم الله و الصلاة و السلام على نبينا المصطفى و آله و صحبه و و من اهتدى بهديه
أما بعد ، فإنما الإسلام عهدة و مبايعة :
وأصل المبايعة: مقابلة شيء بشيء على سبيل المعاوضة. وسميت المعاهدة مبايعة، تشبيها لها بها، فإن الناس إذا التزموا قبول ما شرط عليهم من التكاليف الشرعية، - طمعا في الثواب، وخوفا من العقاب، وضمن لهم رسول الله صلى عليه وسلم ذلك في مقابلة وفائهم بالعهد- صار كأن كل واحد منهم باع ما عنده في مقابل ما عند الآخر.
و الأمور التي بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عليها أربعة:
أولاها البيعة على الإسلام
وهي أوجب الأنواع وآكدها، ولا شك أنها أولى البيعات، و أن كل بيعة لا تصح حتى تصح بيعة الإسلام، ولا شيء من البيعات نكثه كفرٌ مخرجٌ عن الملة إلا هذه، ونكث بقية البيعات كبيرةٌ عظيمة من الكبائر وذنب كبير.
وقد قال الله تعالى في هذه البيعة:
يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم
وعن عبد الله بن عمرو قال: جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال:
"أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفتريه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى".
و أخذت هاته البيعة، بيعة الإسلام على الرجال و النساء
عن محمد بن الأسود بن خلف أن أباه الأسود حضر النبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس فجاءه الرجال والنساء والصغير والكبير فبايعوه على الإسلام و شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن عبادة بن الصامت، وكان شهد بدرا ، وهو أحد النقباء ليلة العقبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه : " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ; فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله ; إن شاء عفا عنه ، وإن شاء عاقبه " فبايعناه على ذلك . رواه البخاري
وقال جريرٌ -رضي الله عنه-:"بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم".
و في الحديث :
كَانَ وَاثِلَةُ لَمَّا نَزَلَ نَاحِيَةَ الْمَدِينَةِ وَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى مَعَهُ الصُّبْحَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ تَصَفَّحَ أَصْحَابَهُ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ وَاثِلَةَ ، قَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَخْبَرَهُ ، قَالَ : مَا جَاءَ بِكَ ؟ ، قَالَ : جِئْتُ أُبَايِعُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى مَا أَحْبَبْتَ وَكَرِهْتَ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فِيمَا أَطَقْتَ ، قَالَ : نَعَمْ . فَأَسْلَمَ وَبَايَعَهُ
وقد روى ابن هشام في السيرة النبوية، وأحمد في مسنده قصة إسلام عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ فقال: " عن حبيب بن أبي أوس الثقفي، قال: حدثني عمرو بن العاص مِنْ فِيه، قال: لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش، كانوا يرون رأيي، ويسمعون مني، فقلت لهم: تعلمون والله أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علواً منكراً، وإني قد رأيت أمراً، فما ترون فيه؟، قالوا: وماذا رأيتَ؟، قال: رأيتُ أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فإنَّا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا فنحن مَنْ قد عرفوا، فلن يأتينا منهم إلا خير، قالوا: إنَّ هذا الرأي، فاجمعوا لنا ما نهديه له، وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم (الجلد)، فجمعنا له أدما كثيرا، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه، فو الله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه، قال: فدخل عليه ثم خرج من عنده، قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية الضمري، لو قد دخلت على النجاشي وسألته إياه فأعطانيه، فضربت عنقه، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها (كفيتها) حين قتلت رسول محمد، قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحبا بصديقي، أهديت إلي من بلادك شيئا؟، قال: قلت: نعم، أيها الملك، قد أهديت إليك أدما كثيرا، قال: ثم قربته إليه، فأعجبه واشتهاه ثم قلت له: أيها الملك، إني قد رأيت رجلا خرج من عندك، وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا، قال: فغضب، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا (خوفاً) منه، ثم قلت له: أيها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه، قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله!، قال: قلت: أيها الملك، أكذاك هو؟ قال: ويحك يا عمرو أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده، قال: قلت: أفتبايعني له على الإسلام؟، قال: نعم، فبسط يده، فبايعته على الإسلام، ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه، وكتمت أصحابي إسلامي " .
و كان النجاشي أول من أسلم من ملوك العجم وهو أصحمة بن أبحر النجاشي أسلم رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أصحاب الصحيح قصة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليه) صلاة الغائب لما مات.
يقول عمرو : ( ثم خرجت عامدا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأسلم، فلقيتُ خالد بن الوليد، وذلك قبيل الفتح، وهو مقبل من مكة، فقلت: أين يا أبا سليمان؟، قال: والله لقد استقام المنسم (تبين لي الطريق ووضح)، وإن الرجل لنبي، أذهب والله فأسلم، فحتى متى (لا نُسلم)؟، قال: قلتُ: والله ما جئت إلا لأسلم، قال: فقدمنا المدينة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع، ثم دنوت، فقلت: يا رسول الله، إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولا أذكر ما تأخر، قال: فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( يا عمرو، بايع، فإن الإسلام يجب (يقطع ويمحو) ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها، قال: فبايعته، ثم انصرفت ) .
وحين فتح الله مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، تبين لأهل مكة الحق، وعلموا أن لا سبيل إلى النجاح إلا الإسلام، فأذعنوا له، واجتمعوا للبيعة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس، وعمر بن الخطاب أسفل منه، يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا.
فمن هذه الأحاديث يتبين لك ايها السامع أنه لا إسلام بلا بيعة و أن الإسلام بيعة ، فتأمل قول عمرو ثم خرجت إلى رسول الله لأسلم ! و قول رسول الله صلى الله عليه وسلم له " بايع فإن الإسلام يجب ما قبله " بمعنى " أسلم فان الاسلام يجب ما قبله "
و قوله للنجاشي " أتبايعني له على الإسلام "
و في حديث واثلة قول الراوي " فأسلم و بايع "
و قولهم " فبايعوه على الإسلام " " تبايعه على الإسلام " " تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً " " بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم "
فبعد هذا ، نسألهم أين وجدتم أن من قال أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله دون ان يبايع جماعة المسلمين و إمامهم على الإسلام أنه مسلم ؟
ألم يتدبروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى رواه البخاري ومسلم.
لكي يعلموا أن المسلمين لا يثبتون الإسلام لأحد حتى يسمعوا نطقه للشهادتين و يعلموا التزامه بفرائض الإسلام و أداء حقوق الإسلام كاملة و ان يبايع على ان لا يشرك بالله شيئاً فيعلم أنه قد برئ من الشرك و أهله.
ألم يتلوا قول الله تعالى " فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ " حق تلاوته ؟
فإن الله إنما جعلهم إخوانا لنا إن أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و تابوا من الكفر و تبرأوا من المشركين !!
فمذا سيجيب الذين جعلوا من قال لا اله الا الله و محمد رسول الله مع اتباعه لما يعبد من دون الله مسلما موحدا ؟
فليخبرونا أين يجدون في كتاب الله و سنة رسوله من أسلم دون أن يتبع جماعة المسلمين و يبايع إمامهم ؟
.....
الخطبة الثانية ،
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله،
بعد أن علمتم أنه لا إسلام إلا ببيعة، و أن بيعة الإسلام أوجب البيعات و آكدها ، و نكثها كفر بالله و برسوله ، اعلموا أن هناك أنواع أخرى من البيعة ، بحسب أحوال المسلمين و إمامهم.
و منها البيعة على النصرة والمنعة
كما بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- وفد الأنصار، وأصحاب بيعة العقبة.
فقد واعدهم النبي -صلى الله عليه وسلم فلما حضروا تكلم، فتلا القرآن، ودعا إلى الله ورغّب في الإسلام.
و قال عبد الله بن رواحة ، رضي الله عنه ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اشترط لربك ولنفسك ما شئت ! فقال : " أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " . قالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : " الجنة " . قالوا : ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل ، فنزلت :
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
ومنها التبايع على عدم الفرار من الزحف و الموت في سبيل الله
ومن ذلك ما ورد في غزوة الحديبية. قال الله تعالى:إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيما [ ً الفتح:10 ] .
و سبب هذه البيعة العظيمة أنه في عام الحديبية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون إلى مكة يريدون العمرة بعد أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه أنه وأصحابه يدخلون المسجد الحرام مُعتمِرين، فلما كان المسلمون بجوار مكة، بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان بن عفان إلى أبي سفيان وأشراف قريش ، يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه جاء زائرا البيت الحرام معظما لحرمته.
فخرج عثمان إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها ، فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] ما أرسله به ، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف . فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين أن عثمان قد قتل .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين بلغه أن عثمان قد قتل : " لا نبرح حتى نناجز القوم " . ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة . فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت . وكان جابر بن عبد الله يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبايعهم على الموت ، ولكن بايعنا على ألا نفر .
ثم البيعة على الهجرة
وكانت أول الأمر فرض عينٍ على المسلمين، ثم انتهت بعد الفتح. وقال عليه الصلاة والسلام: (لا هجرة بعد الفتح). ومن أدلة هذه البيعة ما جاء في الحديث عن مدافع بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "أتيت بأخي بعد الفتح فقلت: يا رسول الله، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، قال: (ذهب أهل الهجرة بما فيها). فقلت: فعلى أي شيءٍ تبايعه؟ قال:(أبايعه على الإسلام والجهاد والخير)..
فكما تبين لك، فإن البيعات التي صحت عن رسول الله تختلف بحسب حال المبايع و حال المسلمين، فكذلك بيعة الأئمة فإنها تكون على حسب الحال، عندما يكون للمسلمين إمام ثم يتوفاه الله و الرعية لا يزالون على الإسلام فإنهم يبايعون إماما على السمع و الطاعة، ليكون خليفة المسلمين و ولي أمرهم، ولا يحتاجون إلى تجديد البيعة على الإسلام ما داموا مسلمين.
و أما من لم يكن من المسلمين ، فلا بد أن يبايع الإمام على الإسلام و على السمع و الطاعة، فكل البيعات غير بيعة الإسلام لا تصح الا مع وجود بيعة الإسلام.
و إن المسلمين قد بايعوا ابا بكر رضي الله عنه على السمع و الطاعة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والثابت في هذه القصة ما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب قال: قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِي وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ. فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ. فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ، فَقَالاَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ . فَقَالاَ: لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ . فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ . فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ . فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلاً تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ . فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَي أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِى مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ . فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلاَّ قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا، حَتَّى سَكَتَ. فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلاَّ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي، وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهْوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لاَ يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لاَ أَجِدُهُ الآنَ . فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ . فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الاِخْتِلاَفِ. فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ . فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَتْهُ الأَنْصَارُ ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ . فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لاَ نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ .
وقد قاتل ابو بكر من ارتد من العرب عن الاسلام ومن تاب منهم كان يبايع على الإسلام.
فقد قاتل سيف الله المسلول خالد بن الوليد، بأمر من ابي بكر رضي الله عنهما، طليحة الاسدي و كان أحد رؤوس المرتدين حتى انتصر عليه ففر طليحة مع زوجته، واجتمعت بعدَ فراره أسد وعامر وغطفان إلى خالد رضي الله عنه، وأعلنوا توبتهم، وسائر القبائل من سليم وهوازن بعد أن رأوا هزيمتهم أقبلوا يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، ونؤمن بالله ورسوله، ونسلم لحكمه في أموالنا وأنفسنا...
فبايعهم خالد على الإسلام وكانت بيعته: عليكم عهد الله وميثاقه لتؤمنن بالله ورسوله، ولتقيمن الصلاة، ولتؤتن الزكاة، وتبايعون على ذلك أبناءكم ونساءكم..
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام، و لك الحمد على نعمة الإيمان، اللهم إنا سألناك أن تعلمنا فعلمتنا ، فلك الحمد و لك الشكر .. يا أيها الناس اعملوا بما علمتم يعلمكم الله ما لم تعلموا
يا أيها المسلمون ، بايعوا من استجاب لدعوتكم على الإسلام ، و أن يقيموا الصلاة مع المسلمين و يوتوا الزكاة للإمام لتصل إلى المستحقين و يلتزموا بشروط الإسلام و يؤدوا حقوقه ، فمن فعل ذلك منهم فانه اخ لنا ، له ما لنا و عليه ما علينا.
اللهم لا سهل الا ما جعلته سهلا و انت تجعل الحزن اذا شئت سهلا
اللهم سهل علينا دعوة قومنا و هدايتهم إلى صراطك المستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا بريئا من المشركين
(الإمام أبو ناصر/جماعة المسلمين).
Comments