top of page
بحث

شبهة : الولاء والبراء في القلب

صورة الكاتب: جماعة المسلمين وإمامهمجماعة المسلمين وإمامهم

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وبعد،


ردا على شبهة لأهل الكتاب في مسألة الولاء و البراء وهي كالتالي: زعمهم أن الشعوب يكفيها أن تتبرأ من الكفر والشرك بقلوبها، وأن هذا مانع من تكفيرها.


فعندما نقول لهم أن هذه الشعوب المنتسبة للإسلام لم تدخل الإسلام أصلا و لم تعرف حقيقة الإسلام ونقول لهم أن سبب ذلك أنها لم تتبرأ من الطواغيت كالدستور الوضعي والديمقراطية والوطنية وعبادة الأضرحة و القبور من دون الله، يدعي هؤلاء المنتسبون زورا و بهتانا لمنهج السلف أن ذلك باطل: قائلين: وما أدراك أنهم لم يتبرأوا من هذه الأوثان؟

أو أنهم ربما تبرأوا منها بقلوبهم، فلا نستطيع أن نجزم بكفرهم بل ظاهرهم الإسلام، فنحن لا نعلم مافي قلوبهم.


فالرد على هذه الشبهة و دحضها مستعينين بالله عز وجل و توفيقه يكون من عدة أوجه :


١\ الوجه الأول :

فيما يخص قولهم: يكفي البراءة بالقلب لتكون مسلما موحدا، فهذا القول بحد ذاته يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة و يوافق قول مرجئة زماننا : الجهمية الضالين الذين يحصرون الإيمان في القلب، وسأحاول أن أبسط حتى يتمكن المستمع من فهم كلامي إن شاء الله.


وذلك أن الجهمية يقولون : الإيمان معرفة الله بالقلب، والأشاعرة موافقون قي ذلك مذهب الجهمية. وإن اختلفت ألفاظهم بقولهم : الإيمان هو المعرفة أو تصديق القلب، فمرجئة زماننا كالجهمية و الأشاعرة حصروا تعريف الإيمان فيما يتعلق القلب.


فالإيمان ضده و نقيضه الكفر، وإذا كان الإيمان حسب زعمهم محصورا في الإعتقاد أو القلب فبالتالي يكون الكفر محصورا في الإعتقاد أو القلب تبعا لذلك. إذ بضدها تتبين الأشياء.


إذن قول هؤلاء المعاصرين: يكفي أن يكون الولاء و البراء في القلب لتكون مسلما موحدا و لا يشترط إظهار ذلك باللسان والجوارح، فلا يكون أحد بزعمهم كافرا بالله حتى تنتفي عنه المعرفة القلبية، فهذا هو عين مذهب الجهمية المتقدمين و الأشاعرة الذين يحصرون تعريف الإيمان فيما يتعلق بالقلب عليهم من الله ما يستحقون.


وأما نحن فنقول: لا يكون العبد مسلما موحدا إلا إذا حقق الإسلام و التوحيد إعتقادا و إقرارا و عملا، لأن تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو: التصديق بالجنان [القلب] و الإقرار باللسان و عمل بالجوارح و الأركان يزيد بطاعة الرحمن و ينقص بطاعة الشيطان.


والذي يفصل النزاع ويحدد ماهو تعريف الإيمان وماهو تعريف الكفر، هي نصوص الوحي [ الكتاب و السنة ] ، لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) } سورة النساء .


فقد قال ربنا سبحانه وقوله الحق: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) } سورة الأنفال.


لذلك قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمة الله عليه: قَدْ ذَكَرْنَا مَا كَانَ مِنْ مُفَارَقَةِ الْقَوْمِ إِيَّانَا [فِي أَنَّ] الْعَمَلَ مِنَ الْإِيمَانِ، عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَنَا مُفَارِقِينَ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى مَذْهَبٍ قَدْ يَقَعُ الْغَلَطُ فِي مِثْلِهِ. ثُمَّ حَدَّثَتْ فِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ شَذَّتْ عَنِ الطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا الدِّينِ، فَقَالُوا: الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقُلُوبِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قولٌ وَلَا عملٌ! وَهَذَا مُنْسَلِخٌ عِنْدَنَا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمِلَلِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِمُعَارَضَتِهِ لِكَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﷺ بِالرَّدِ وَالتَّكْذِيبِ، أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ: ﴿قُولُوا آمَنّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ﴾ الآية [البقرة: ١٣٦] فَجَعَلَ الْقَوْلَ فَرْضًا حَتْمًا، كَمَا جَعَلَ مَعْرِفَتَهُ فَرْضًا، وَلَمْ يَرْضَ بِأَنْ يَقُولُ: اعْرِفُونِي بِقُلُوبِكِمْ. ثُمَّ أَوْجَبَ مَعَ الْإِقْرَارِ الْإِيمَانَ بِالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ كَإِيجَابِ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ إِيمَانًا إِلَّا بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ ﷺ فِي كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ فَقَالَ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٣٦]، وَقَالَ: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥]. وَقَالَ: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦] يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ مَعْرِفَتَهُمْ بِهِ إِذْ تَرَكُوا الشَّهَادَةَ لَهُ بألسنتهم إيماناً.


فلو كان الإيمان هو معرفة بالقلب فقط كما زعمت مرجئة زماننا ، لما عرفنا كيف نميز الجاهلية عن الإسلام، و لما ميزنا أهل الكفر و الشرك عن أهل الإيمان و التوحيد، و نستدل بقول الإمام أبي عبيد رحمه الله و جزاه عنا خير الجزاء إذ يقول: وَزَعَمَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ أَنَّ اللَّهَ رَضِيَ عَنْهُمْ بِالْمَعْرِفَةِ! وَلَوْ كَانَ أَمْرُ اللَّهِ وَدِينُهُ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ مَا عُرِفَ الْإِسْلَامُ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا فُرِّقَتِ الْمِلَلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، إِذْ كَانَ يَرْضَى مِنْهُمْ بِالدَّعْوَى عَلَى قُلُوبِهِمْ، غَيْرَ إِظْهَارِ الْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ، وَالْبَرَاءَةُ مِمَّا سِوَاهَا، وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ وْالْآلِهَةِ بِالْأَلْسِنَةِ بَعْدَ الْقُلُوبِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا يَكُونُ مُؤْمِنًا ثُمَّ شَهِدَ رَجُلٌ بِلِسَانِهِ أَنَّ اللَّهَ ثَانِي اثْنَيْنِ كَمَا يَقُولُ الْمَجُوسُ وَالزَّنَادِقَةُ، أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ كَقَوْلِ النَّصَارَى، وَصَلَّى لِلصَّلِيبِ، وَعَبَدَ النِّيرَانَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ لَكَانَ يَلْزَمُ قَائِلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يَجْعَلَهُ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلًا الْإِيمَانَ كَإِيمَانِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ! فَهَلْ يَلْفِظُ بِهَذَا أَحَدٌ يَعْرِفُ اللَّهَ أَوْ مُؤْمِنٌ لَهُ بِكِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ؟ وَهَذَا عِنْدَنَا كفرٌ لَنْ يَبْلُغَهُ إِبْلِيسُ فَمَنْ دُونَهُ مِنَ الْكُفَّارِ قَطُّ!


تأملوا معنى قول الإمام أبي عبيد رحمه الله: { إِذْ كَانَ يَرْضَى مِنْهُمْ بِالدَّعْوَى عَلَى قُلُوبِهِمْ، غَيْرَ إِظْهَارِ الْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ، وَالْبَرَاءَةُ مِمَّا سِوَاهَا، وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ وْالْآلِهَةِ بِالْأَلْسِنَةِ بَعْدَ الْقُلُوبِ.....} يقصد : من غير إظهار البراءة من كل شيء سوى ما جاءت به النبوة، و خلع الأنداد و الآلهة بالألسنة بعد القلوب، إنما اكتفوا بالبراءة بالقلب فقط، ثم أعقبها بقوله { لَكَانَ يَلْزَمُ قَائِلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يَجْعَلَهُ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلًا }. و هذا رد على المرجئة المعاصرين الذين يزعمون أن البراءة يكفي أن يكون محلها القلب ليكون العبد مؤمنا مستكملا للإيمان.


٢\ الوجه الثاني للرد على هذه الشبهة:

التحقيق المطلوب والصحيح للولاء والبراء والعداوة والبغض منه ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية. أما فرض العين فإنه واجب على الجميع في بداية الدعوة ووسطها وزمن التمكين ويكون ذلك بمبايعة جماعة المسلمين وإمامهم على الإسلام والشهادة بأن من لم يبايع الجماعة فليس بمسلم.


وأما إظهار الإسلام علانية والجهر بالبراءة من دين القوم ومعبوداتهم فهو فرض كفاية يجزئ في ذلك الامام عن اهل الجماعة في بداية الدعوة مع أن من يستطيع إظهار الدين الآن فهو أفضل، وأما الوقت الذي يجب فيه إعلان الاسلام ولا يحل فيه الكتم فعند اقتضاء المصلحة والأمن من اجتثات الدعوة ان شاء الله ولا يبعد ان يكون ذلك عند بلوغ عدد المسلمين أربعين مسلما في بلدة. أو يكون ذلك الى تقدير الإمام انطلاقا من النصوص الشرعية وبمشاورة أهل السبق والفضل ان شاء الله وذلك حسب حال المسلمين من العلم والمنعة والكثرة.


فلو كانت البراءة من الشرك و أهله تكفي في القلب، لما أمرنا الله بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم و البراءة مما سواهم ظاهرا يعني عملا بالجوارح، فدل أن الأعمال شرط صحة في الإيمان.


وإذا لم يكن هناك جماعة و لا إمام أمرنا عملا بالجوارح أن نعتزل الفرق. فلو كان يكفي البراءة بالقلب لكان الله عز وجل وجل راضيا عنا و لا يؤاخذنا إن لم نعتزل عند عدم وجود جماعة ولا إمام. لأن الله عزوجل يقول في محكم تنزيله : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) } سورة الروم فقد أمرنا أن لا نكون من المشركين بلزوم الجماعة أو الإعتزال في حال عدم وجود جماعة وخليفة للمسلمين. فدل على أن الله لا يرضى الإيمان إلا إذا كان مقترنا بالقول والعمل.


ولا يلزم افراد الجماعة من أجل إظهارهم البراءة زمن الاستضعاف تسليطهم الألسنة على المشركين وتوجيه خطابات عدوانية وكشر الأوجه بل إن الكتاب والسنة قد دلوا على أن الأمر ليس كذلك.


عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِهِ فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ، قَالَ : فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ، وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ : وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى : " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ". وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ، قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ ، قَلِيبِ بَدْرٍ. رواه البخاري ومسلم


لاحظ قول ابن مسعود رضي الله عنه: وانا انظر لا اغير شيئا. وفي لفظ مسلم : وانا قائم أنظر لو كان لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففيه الدليل على ما سبق بيانه من أن البراءة الواجبة زمن الإستضعاف على أهل الجماعة إنما هي البيعة على الإسلام وأنها تصح من المجاهر بدينه كما تصح من كاتم الإيمان.


ولاحظ كيف كانت قريش تبادر بإظهار العداوة والأذى بالالسن والافعال بعد القلوب، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بانذارهم ودعوتهم وتبليغ الرسالة، فكانوا يعادون المسلمين لأجل ذلك. المقصود ان تباين الدينين والتصريح ببطلان دينهم والكفر بمعبوداتهم هذا هو المطلوب. فمن زعم غير ذلك لزمه بيان الحجة كيف صرح الصحابة بالعداوة في مكة قبل الهجرة، فإن الله تعالى أمر بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلتهم بالتي هي أحسن، والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالرفق في الأمر كله.


فإن سأل سائل عن الآيات التي ذكرت في سورة الممتحة وأشباهها الآمرة بإعلان العداوة وإبداء البغضاء:


كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [الممتحنة : 1] وقال: لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة : 8-9].

فالجواب أن هذه السور والآيات قد نزلت بعد بلوغ الدعوة إلى مشركي قريش وبدئهم المسلمين بالقتال وأصناف الأذى من همز ولمز، ومضي معارك بدر وأحد والاحزاب بين الفريقين.


والآيات المذكورة في سورة الممتحنة فهي مدنية نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة بعد حصول معارك بين المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم من جهة، والمشركين من جهة أخرى.


فالدعوة تعرف التدرج والتصريح بالإكفار والعيب على دينهم ومعبوداتهم هو إعلان العداوة المطلوب بيننا وبينهم فإنهم عند العلم بما ندعوهم إليه عادونا عليه وآذونا وضيقوا علينا وعيرونا فيما بينهم.


وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في بداية الدعوة بكتمان الإيمان، ومما لا شك فيه أن كتمان العداوة الدينية زمن الإستضعاف في دار الكفر مشروط بلزوم الجماعة المسلمة و إمامهم، ومعنى ذلك القول بقول جماعة المسلمين وموافقتها في دينها واتباعها وعدم الخروج على منهجها في العقائد والأحكام.


٣\ والوجه الثالث للجواب عن هذه الشبهة الداحضة كالتالي:

كما أن الجاهلية ليست مجرد نظرية لا أثر لها على أرض الواقع، بل هي كيان يدافع عن وجوده عمليا من الخطر الذي يهدد وجوده وبشتى الوسائل، فكذلك دين الإسلام والولاء والبراء ليس مجرد المعرفة والتصديق بالقلب مجردا من عمل الجوارح وليس مجرد نظرية لا أثر لها على أرض الواقع كما زعمت المرجئة، بل هو تطبيق عملي.


إذ لو كان شيئا نظريا ، كيف كان له أن يواجه الجاهلية التي تتحرك و تحارب لأجل وجودها ، فهذا يستحيل عقلا وباطل شرعا.


بل طبيعة دين الإسلام تأبى و ترفض ذلك، فالإسلام الحقيقي هو حركة عملية تحارب الجاهلية بدعوة الناس إلى دين الله، و البراءة وخلع الأوثان والأنداد التي تعبد من دون الله والجهاد باللسان في دحض شبه الكافرين و جهاد الأعداء في حال العزة و التمكين و كل هذا من أعمال الجوارح، وهذا يبطل زعم يهود أهل القبلة المرجئة المعاصرين و يدحض شبهتهم بأنه يكفي إعتقاد الجنان [القلب] لتكون مسلما موحدا.


فالجاهلية ليست مجرد عقيدة ونظرية كما يزعم مرجئة زماننا بل هي حركة على أرض الواقع متمثلة في كيان حركي مستقل له أناس يعيشون في أرض ويفرضون حكمهم ودينهم وسيادتهم وسلطتهم وقوانينهم ومبادئهم على من يعيش تحتهم و يخضع لهم، و يدافع و يحمي حدوده من العدو الأجنبي.


فكان لا بد من أن يواجه بكيان يماثله حركيا في جماعة تدعو الناس إلى دين الله، فتخرجهم من عبودية الطواغيت والأنداد والأوثان وخلعها والبراءة منها، إلى عبودية رب العباد و الخضوع و الاستسلام لحكمه و شرعه و الرضا بذلك دون حرج و ضيق، فهذا هو الإيمان الشرعي الذي أمر الله به.


وبهذا نكون قد رددنا على هاته الشبهة الداحضة والكذب على الله والافتراء على الدين والسنة والخروج المشين عن جميع أقوال السلف رحمة الله عليهم.


وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد

 
 
 

أحدث منشورات

عرض الكل

استمارة طلب زواج رقم ١

معلومات شخصية: • الاسم أو الكنية: أبو عيسى • العمر: ٤٦ سنة • المهنة: سائق عائلة راتبي 1500 ريال • المستوى التعليمي: ثانوي • اللغات التي...

بلاغ بخصوص استقبال الفلسطينيين

بلاغ صادر عن جماعة المسلمين الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله الطيبين، ورضي الله عن صحبه أجمعين. إلى أمة نبينا محمد صلى...

عائذا بالله من الخذلان

بسم الله الرحمن الرحيم إلى أوليائنا طلبة العلم في جماعة المسلمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن من أكثر ما يؤلمني ويثقل كاهل الجماعة...

Comments


جماعة المسلمين وإمامهم

البريد الإلكتروني: Imamabounacer@gmail.com

الهاتف : 00212661707896

  • بيعة الإسلام لله
  • Donate for JM
  • Telegram
  • جماعة المسلمين وإمامهم
  • الصفحة الرسمية على فيسبوك
  • وتساب
bottom of page