top of page
بحث

أبو عمر: الاستعمار الحديث وعودة الخلافة.

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أما بعد :


سيكون موضوع و كلامنا عن الحركة الإستعمارية في العصر الحديث ثم إلى قيام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة:

نحن نعلم يقينا أن الأمة التي تنتسب الإسلام   إسما فقط مجردا عن حقيقته في زمننا المعاصر ، قد غابت عن قيادة العالم منذ فترة طويلة ، و لم تعد تؤدي الهدف المطلوب منها و هو تبيلغ رسالة الله و دين الأنبياء و الرسل للعالمين ، و السبب في ذلك  ليس يعود إلى سبب سياسي أو إقتصادي أو تكنولوجي أو أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم تعد تستطيع أن  تنجب طليعة تقود العالم البشري في عالمنا المعاصر إلى مايريده الله سبحانه وتعالى في دينه و شريعته السمحة ، و تبليغ رسالته السماوية للعالمين.

إنما يعود الخلل و المرض و الوهن  بسبب بعدها عن دينها بعد السماء عن الأرض ، متمثلا في تفرقها إلى أحزاب و فرق و ملل شتى يكفر بعضها بعض و يضلل بعضها بعض و يبدع بعضها بعض و كل فرقة تنصر باطلها و ترفع شعار الحق المزعوم.

و الله تعالى يقول في سورة الأنفال الأية ٤٦ :

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) }

و يقول الإمام الطبري رحمة الله عليه :

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قوله: " وتذهب ريحكم " ، قال: نصركم. قال: وذهبت ريحُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم،  حين نازعوه يوم أحد.

- حدثنا ابن نمير, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " وتذهب ريحكم " ، فذكر نحوه.

- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه= إلا أنه قال: ريح أصحاب محمد حين تركوه يوم أحد.

فانظروا هنا بالله عليكم معصية صغيرة واحدة أدت إلى إنهزام المسلمين في المعركة و رجحان الكفة لصالح المشركين .

فمابالكم يااخواني فمن ترك أصل الدين و هو لزوم الجماعة و إجتناب الفرقة ماذا يكون حاله أمام كثرة الأعداء المتكالبة عليه من شتى الملل و النحل .

و السؤال المطروح الذي يجب أن يطرح هل أمة محمد صلى الله عليه وسلم مزالت على الطريق الصحيح و هو الصراط المستقيم الذي لا إعوجاج فيه و هو طريق الأنبياء و الرسل ونهج الصحابة رضوان الله عليهم؟

الجواب هو لا بد أن نعرف ماهو صراط الله المستقيم حتى نستطيع تجنب السبل التي يدعوا إليها شياطين الإنس و الجن الذي يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ، و يلبسون لباس الحق الذي به  يلبسون الحق بالباطل ليوهموا و يخدعوا الناس أنهم أهل الحق و الله المستعان .


قال جلا و علا:

{ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣) }

يقول الإمام الطبري رحمه الله:

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) , وقوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [سورة الشورى: 13]، ونحو هذا في القرآن. قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة, وأخبرهم أنه إنما هلك مَنْ كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله .

فهنا أن صراط الله المستقيم و دين الله الذي إرتضاه للعالمين هو واحد فقط و هو لزوم دين جماعة المسلمين و إمامهم و غيره من الملل و النحل و الأديان كلها باطلة لا يقبلها الله ،

و من السنة :

عن حماد عن عاصم, عن أبي وائل, عن عبد الله قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا فقال: هذا سبيل الله. ثم خط عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطًا فقال: هذه سُبُل، على كل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليها. ثم قرأ هذه الآية: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).

و قال الإمام أيضا في تفسيره:

ولا تتبعوا السبل)، يقول: ولا تسلكوا طريقًا سواه, ولا تركبوا منهجًا غيره, ولا تبغوا دينًا خلافه  ، من اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل, فإنها بدع وضلالات =(فتفرق بكم عن سبيله)، يقول: فيشتّت بكم، إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق ولا أديان, اتباعُكم إياها =" عن سبيله ", يعني: عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه, وهو الإسلام الذي وصّى به الأنبياء، وأمر به الأمم قبلكم.

و أخبر الله تعالى أن الدين الذي أمرنا بإقامته هو الإسلام و نهانى عن التفرق

قوله تعالى :

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩).

و جاء في حديث صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وبعد،


عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك. رواه البخاري .

فمن خلال إستقراء النصوص و جمعها مع بعضها نفهم أن صراط الله المستقيم و الدين الذي لا عوج فيه و لا يرضى الله سواه هو لزوم الجماعة و إجتناب الفرقة ، كما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه هو دين جماعة المسلمين و إمامهم الذين تمسكوا بالكتاب و السنة و إجتنبوا دين الأهواء و البدع .


ثم ماهو حكم من ترك و فارق جماعة المسلمين وإمامهم؟

جواب هو أن مفارقة جماعة المسلمين هو كفر بالله و ترك للدين ، و الدليل على ذلك :

أولا كتاب الله : قوله تعالى :

{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) }

ثانيا  من السنة :

لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بالنَّفْسِ، والثَّيِّبُ الزَّانِي، والمارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَماعَةِ.

الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري.

جماعة المسلمين :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه. وقال: من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية. حديث صحيح.

فبعد معرفتنا و فهمنا للنصوص التي إستقرأنها علمنا ماهو  دين الله و صراطه المستقيم الذي لا إعوجاج فيه و كل من سلكه لن يضل أبدا  ، لأنك إذا عرفت الحق ستعرف ماهو الباطل و تجتنبه ، و الحق واحد و الباطل متعدد و سبل الضلال كثيرة  ، كان هنا علينا لزاما  أن نربط واقع الأمة في زمننا المعاصر بالنصوص الشرعية حتى نخرج بالنتيجة و هي الحكم على الناس .

واقع أمة محمد صلى الله عليه وسلم في زمننا الحالي ، لا يقل خطورة عن الأمم التي سبقتنا من اليهود و النصارى، يعني نفس الشئ وهو التفرق في دين الله إلى أحزاب و شيع ضلت عن صراط الله المستقيم ، و صراط الله المستقيم هو الجماعة. كما ثبت عن قول الصحابي إبن عباس رضي الله عنه.


فالأمة المنتسبة للإسلام زورا و بهتانا في زماننا الآن في العالم ليس لها جماعة و لا إمام تنتسب إليه كما كان  عليه الصحابة زمن رسول الله صلى الله عليه و من سار على نهجهم من التابعين و تابع التابعين من أهل القرون الثلاثة المفضلة .

فإذا هي ليست على صراط الله المستقيم و هو الإسلام الذي لا يرضى الله غيره .

و سبب ذكر كل هذه الأمور حتى نعرف لماذا تسلط الإستعمار الأوروبي على العالم العربي الذي هو كان نتيجة تفرقه و وهنه و ضعفه و مرضه

فلا يجمع الأمة و لا يوحدها و لا يقويها و لا يخرجها من هذ التفرق و هذا الضعف  و هذه الجاهلية المقيتة إلا لزوم جماعة و إجتناب سبل الضلال و الفرقة .

فالعالم في زماننا اليوم الذي يزعم التحضر و خصوصا الأمة التي تنتسب إلى دين الإسلام إسما فقط متجرد عن حقيقته ،  يعيشون في ظلمة الجاهلية و أفكارها المتضاربة و المتناقضة من رأسمالية غربية  و إشتراكية شرقية و مذاهب إلحادية و علمانية كالديمقراطية و أديان أهل الكتاب المحرفة و أديان وثنية و إلحاد بدأ ينتشر بعد الثورة الشيوعية ، و كانت له دعائم و نظريات يستند إليها كالدروينية و نظرية الانفجار،

و كذلك من  صفات الجاهلية المعاصرة  تعطيل حكم الله و شرع الله في الأرض و إستبداله بقوانين وضعية و جعلها مرجعية يرجع إليها في شتى مناحي الحياة مما نتج و تفرع عنه فساد كبير في الأرض .


فأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق إلى ثلاث و سبعين فرقة كلها في نار إلا واحدة على الحق و هي الجماعة أو جماعة. المسلمين وإمامهم الذين تمسكوا بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح .

فهو الميزان الذي نعرف به أهل الحق و كذالك به نفرق بين أهل الحق و أهل الباطل ، لكن بشرط يكون بفهم السلف الصالح من أهل القرون الثلاثة المفضلة و المشهود لها بالخيرية كما دلت سنته صلى الله عليه وسلم

حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح: أن الأوزاعي حدثه، أنّ يزيد الرقاشي حدّثه أنه سمع أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ بني إسرائيل افترقت على إحدى وسَبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة. قال: فقيل: يا رسول الله، وما هذه الواحدة؟ قال: فقبض يَدَه وقال: الجماعة " ،" واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا ".

إن تأخر الأمة و إنحرافها عن دين الله الذي لا عوج فيه في القرون الأخيرة طويل ، و الدارس للتاريخ البشرية يرى أنها حينما تبتعد عن الله و تستغرقها الجاهلية ، يبعث الله لها رسلا  تنقذها من ضلمة الجاهلية و الكفر  إلى نور الإسلام و عدله .

فالإنحراف الذي وقعت فيه أمة محمد صلى الله عليه وسلم  و مزالت إلى يوم  زمننا المعاصر على هذا النهج هو التفرق في الدين الذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه ، فالتفرق في الدين هو كفر و شرك بالله

و الله تعالى ناهيا عن ذلك النهج يقول :

{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢)}

و قوله تعالى :

۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (١٣).

و قوله تعالى:

{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) }

و نتج عن هذا الإنحراف و المرض و الخلل الذي هو مفارقة الجماعة و صراط الله المستقيم إنحراف أخر  يكمن  في التصور و الفهم الضيق لمعاني الإسلام ، فإنحصر مفهوم الإسلام عند كثير من الناس في هذه الأمة المنتسبة إلى الإسلام من شموله و كماله في معاني ضيقة و مدلولات محدودة و سببه الجهل بحقيقة الدين ، و كثرة دعاة الضلال و الإنحراف و ترك التحاكم بما أنزل الله ، و إتباع الهوى و التعلق بالدنيا و نسيان الآخرة ، و تقليد دين الآباء و الأجداد ، كل هذه العوامل ساهمت في ضلال و إنحراف الأمة عن دين الجماعة ، و كان أحد أول أسباب التفرق هو البغي كما قال تعالى :

{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ}

قال أبو جعفر رحمه الله:

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ) فقال: إياكم والفرقة فإنها هلكة ( بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) يقول: بغيا من بعضكم على بعض وحسدا وعداوة على طلب الدنيا.

فكان أول أسباب التفرق بعد أن جاءهم العلم هو الحسد و العداوة على طلب الدنيا و زينتها

فحال الأمة المنتسبة للإسلام في زماننا  لا يقل عن حال أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وهو بسب تركهم التحاكم إلى شرع الله و إنحرافهم في أوثق عرى الإيمان و هي الصلة التي تربط بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم و هي الولاء و البراء

فأصبح الرابطة هو الوطن و الجنس و الدم  و عليه يعقد إليه  الإنتماءو  الولاء و البراء ، و هذا يعد وثن و صنم من أصنام هذا العصر الذي يعبد من دون الله و يتخذ شريكا و ندا مع الله و الله المستعان .

و كذلك إيمانهم بالديمقراطية و إنتشار عبادة الأحبار و الرهبان و الغلو في العلماء و إتخاذهم أربابا من دون الله و التعصب لهم و صرف الولاء و البراء لهم و عبادة الملوك و المشرعين من دون الله الذين  يحكمون بغير ماأنزل الله و ترك  البراءة منهم .

فضلا عن تركهم بيعة الإسلام و جماعة المسلمين التي تحكم بالكتاب و السنة و تقيم دين الله في الأرض، ناهيك عن الفساد الكبير الذي تفرع من هذا الأصل .


ففي ظل الركود العلمي الذي هيمن على الأمة المنتسبة للإسلام، في عصر كانت أوروبا فيه قد نفضت غبار الماضي و حثت الخطى على طريق العلم و الاكتشاف،  و الضعف المادي و المعنوي الذي كان هو نتيجة كما ذكرنا أنفا البعد عن دين الله و شرع الله،  مما جعل أمة محمد صلى الله عليه وسلم لقمة سائغة و عرضة للإستعمار و نهب ثرواتها ، و جعلت أوروبا تلتقمها قطعة قطعة حتى كادت تسيطر على الحرمين الشريفين،  لكن بطريقة غير مباشرة .

فقد كانت هزيمة الدولة العثمانية في [ سان جونار ] ، و تقهقر المماليك في مصر أمام نابليون سنة 1799، مؤشرين على هذين الركود العلمي و الضعف المادي و المعنوي و نهاية لزعامة و قيادة هذه الأمة ، ليس على العالم فقط ، بل على أرض كانت إسلامية من قبل تفرقها !!

و حينما نقول أن سبب الضعف و الهوان و الضعف المادي و المعنوي هو التفرق في الدين و إبتعادها عنه ، لاننسى العوامل الخارجية المتمثلة في التفوق العلمي و المادي و العسكري ، و الحقد الصليبي الأعمى الذي بث سراياه الفكرية المضللة ، جنب إلى جنب مع السرايا الإستعمارية .

لكن المنطق الإسلامي الثابت يؤكد أنه مهما بلغت القوة الخارجية و كان التخطيط المضاد فاءن الأمة المنتسبة للإسلام لن تؤتى إلا من قبل نفسها ، حسب القاعدة المطردة التي سنها الله تعالى في

قوله : {  ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) } سورة الأنفال.

و في سنن أبي داوود ، أوضحها الرسول صلى الله عليه وسلم :

{و دعوت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة و ألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، حتى يقاتل بعضهم بعض..}

و هو بذات التفرق و الإختلاف و التنازع .

و من الطبيعي أن يكون حديثنا عن أسباب الإنحراف و الضعف المادي و المعنوي مقدما عن كلامنا عن الحركة الإستعمارية حتى نفهم المشكلة جيدا .

و كانت الدول التي تتقاسم العالم المنتسب للإسلام ثلاث دول

الدولة المغولية في الهند ، و الدولة الصفوية في فارس ، و الدولة العثمانية في حوض البحر الأبيض المتوسط .

فالبنسبة لهذه الدول الثلاث  يمكن القول بأنها كانت منحرفة إنحرافا يجعل إنتسابها للإسلام إسميا فقط .


فالدولة الصفوية : فقد كانت شيعية رافضية ، و كان الحكم يجري فيها على آراء و أهواء علماء الشيعة

و كان العوام يقدسون الملوك و العلماء ، جريا على المذهب الرافضي الذي يجيز العصمة للأئمة.


   أما الدولة المغولية : فكانت جاهلة بحقيقة الإسلام ، وكان فهمها له مختلطا بكثير من الخرافات و التصورات الخاطئة ، و الغرابة في ذلك فإن المغول لم يعتنقوا الإسلام الحق الصافي ، بل دخلوا فيه على الصورة التي وجدوا فيه الأمة تعيشها  بعد القرون المفضلة إبان الحكم الصوري للخليفة العباسي و ذلك في أواخر العصرالعباسي،

حيث كانت الصراعات المذهبية و الفكرية و الطوائف الباطنية ، قد نخرت جسم الأمة .

مع هذا الجهل بالإضافة إلى كون المنتسبين للإسلام بالإسم فقط لا حقيقة في بلاد الهند هم  أقلية بين المشركين الوثنيين الهندوس ، جعل إلغاء الشريعة من قبل الإستعمار البريطاني للهند ، لا يقابل بكبير معارضة .

أما الدولة العثمانية:  فكان دينها قائم على التصوف  و عبادة الأضرحة و القبور  و الغلوا في أئمتهم و إتخاذهم أربابا من دون الله لا يقلون إنحرافا عن الشيعة الروافض و  هذا كله  من الشرك العظيم و الكفر المستبين و لا حول و لا قوة إلا بالله .

و كل هذه الدول الثلاث لم تتحقق في أئمتها نسب القرشية التي هي شرط لصحة الإمامة ، كما دلت السنة على ذلك و عمل الصحابة رضوان عليهم في سقيفة بني ساعدة .

و جاء عن صحيح مسلم في كتاب الإمارة 

باب الناس تبع لقريش و الخلافة في قريش :

  قوله صلى الله عليه وسلم:

”الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم “}

و جاء كذلك في صحيح البخاري :

قوله صلى الله عليه وسلم :

{ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ في هذا الشَّأْنِ؛ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وكافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكافِرِهِمْ، والنَّاسُ مَعادِنُ، خِيارُهُمْ في الجاهِلِيَّةِ خِيارُهُمْ في الإسْلامِ إذا فقِهُوا، تَجِدُونَ مِن خَيْرِ النَّاسِ أشَدَّ النَّاسِ كَراهيةً لِهذا الشَّأْنِ حتَّى يَقَعَ فِيهِ }.

والذي حصل خلال الحكم العثماني هو الجمود الفقهي أو قصور الإستنباط الفقهي عن مجاراة الوقائع المحدثة بسبب باب الإجتهاد الذي أغلق منذ القرن  الرابع هجري فما فوق لأسباب و ظروف معينة ، فإن كون الشريعة الإسلامية منهجا كاملا شاملا للحياة البشرية منذ نزولها ،

إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، لا يخرج شئ من أحداثها و وقائعها مهما إستجد و مهما تغيرت الظروف و الأحوال عن دائرتها الرحبة، لهو أمر بديهي في التصور الإسلامي ، و الشك فيه يعني بداهة إتهام الباري جل شأنه بالنقص و البداء و من ثم فهو الكفر المحض .

و كون الحياة البشرية عرضة لتغيرات ، لا يدرك مداها ، أو وقائع حادثة لا يستطيع العقل البشري على الإطلاق أن يتصور أبعادها بحكم حجبه عن علم الغيب ، يجعل المجتهد في الشريعة مهما كانت سعة فقهه و دقت نظره ، يضل محصورا بواقع بيئته و زمانه، و واقفا عند النقطة التي وصلت إليها البشرية على خط سيرها الطويل .


و بهذا ظلت الأمة قرون طويلة راكدة لا جديدة فيها ، و كذلك السلاطين العثمانيين و علمائهم عارضوا فتح باب الإجتهاد أو قيدوه في دائرة التراث المأثور عن فقهاء الحنفية السابقين ، بحجة أن الدولة العثمانية كانت تتبع المذهب الحنفي.


و في الوقت الذي كان الفقه فيها جامدا ، كانت الحياة حسب سنة الله الكونية ، جارية متطورة

و بذلك حدث أول مرة في التاريخ الأمة أن ضاقت دائرة الفقه الواقعي بل و الافتراضي ، عن الإحاطة بأحداث الحياة كلها ،  و قلنا حتى الافتراضي  لأن الفقه الحنفي يمتاز بكثرة إفتراض المسائل الغير واقعية، و تقدير الأحكام لها ، لتكون جاهزة حال وقوعها.

و كان الذي ضاق بطبيعة الحال  المتون و الحواشي و لم تضق الشريعة نفسها و ماكان لها أن تضيق .

و المؤسف أن  الذي حصل أول الأمر هو أن باب الإجتهاد أغلق ، لم يفتح و لم يكسر ، بل إستوردت الدولة العثمانية القوانين الأجنبية الكافرة .

لكن بالطريقة الملتوية البطيئة التي سلكتها عملية الاستيراد ، و الذي كان حسن النية أحد أسباب تقبلها ، لم تلفت الأنظار إلى خطورتها ، و قد بدأت هذا الطريق باسم الإصلاح و التنظيم الذي تقتضيه الظروف الواقعية .

و الجيش العثماني لم يعد يصلح أن يبقى مجموعات من المتطوعين يحملون السيوف و يمتطون الخيول ، فالظروف العسكرية الدولية تقتضي وجود جيش منظم مدرب يستخدم الوسائل الحديثة و يفرغ نفسه لمهمة الجهاد.

و أنا لا أريد أن أذكر كل ما حدث بالتفصيل حتى ننتقل إلى أمر أخر ،


و لقد نتج عن ضيق الدائرة الفقهية و الجمود المذهي ، عن إستيعاب الحياة أن ظلت القوانين المستوردة تحتل رويدا رويدا مواقع جديدة من حياة هذه الأمة المنتسبة للإسلام إسما فقط ، دون أن تلفت النظر إلى خطورتها ، إلى أن جاء الوقت الذي أصبح إقتباس هذه القوانين أمرا مقررا و منهجا لا غبار عليه.

و من الإنصاف و الحق أن نقول أن تلك الإقتباسات ، كانت تأخذ صفة تنظيمية لا تشريعية ، و كان يسميها العثمانيين [ تنظيمات ] لكنها على أية حال فقد مهدت الطريق لإستيراد التشريعات لا سيما تكوين [مجلس المبعوثان ]

و بذلك نصل إلى أن الغرض الأساسي هو أن إنحراف أمة محمد صلى الله عليه وسلم بسبب جهلهم بحقيقة دين الإسلام و سنة الله في الحياة و عجزهم عن مسايرة الأحداث ، لأن الحياة البشرية دائما تتجدد و تتغير  عبر الأزمنة ، فكان هذا منفذا و بابا  لتسرب العلمانية إلى المشرق العربي و العالم العربي كله .

و هناك إنحراف أخر وقع في زماننا المعاصر  في هذه الأمة، يكمن في التصور  و له أسباب تاريخية : و  هي إنحسار مفهوم العبادة في دائرة الشعائر و الأذكار ، بل في الحقيقة كان الإلتزام بتلك النظرة

يعني تعذر القيام ببعض أركان الإسلام لا سيما الزكاة .

كل هذا راجع لسبب تاريخي وهو أن الصوفية ظهروا في العصر العباسي لأسباب تاريخية و هو ضعف الخلافة المركزية أو إنحرافها ، و إنغماس الناس في الترف و إنصرافهم عن الإهتمام بدار الآخرة ، غير أن الإنحراف قد أصاب الفرق الصوفية بدرجة تتناسب تناسبا عكسيا مع قربها من التمسك بالسنة و الإقتداء بالسلف الصالح و أقصد بالصوفية الأوائل الزهاد الذين غلو في الزهد .


و كان من الأخطاء الأساسية في الفكر الصوفي النظرة العدائية إلى الحياة الدنيا ، تلك التي يبدوا أنها متأثرة بالفكر البوذي و الفلسفة الإشراقية .


و حدث أن أقبل العامة بقيادة المتصوفين على الطقوس و الأوراد و أقبل الحكام و من في حواشيهم على الشهوات و الملذات .

و هذا الخلط الصوفي الأحمق ، يعتبر أول صدع أصاب التفكير الإسلامي في صميمه ، و بل أول تصدع أصاب كيان الأمة من الداخل ، فقد نتج هذا الانفصام ، إنحسار مفهوم العبادة - من خلال تصور الناس- في دائرة الشعائر و الأذكار.

بعد أن كان المسلم - أيا كان عمله الدنيوي - يستشعر في قرارة نفسه أنه يعبد الله تعالى و هو يكدح على عياله و حتى و هو يطلب العلم أو يعلمه ، و حتى و هو يجوب الأرض في طلب الرزق أو التعرف على المعمورة بلا إنفصام أو إزدواجية .


أصبح المريد و قد إنحسر مفهوم العبادة لديه في الصلوات و الأذكار يجد مساحة كبيرة من حياته فارغة فيلجأ إلى الشيخ لتعبئة هذا الفراغ

، و عندها يقوم شيخ الطريقة بتشريع مالم يأذن به الله ، فيكلف المريد بحفظ المتون الطويلة من الأوراد لترديدها و بآلاف التسبيحات ، و أحيانا يكلفه بالسياحة في الأرض بلا زاد ليقوي يقينه، و يصدق في توكله !!

و بذلك أدى إنحسار مفهوم العبادة إلى إنحراف العبادة نفسها و إستقائها من غير معين الكتاب و السنة .


و لندع الصوفية أنفسهم ، و لننظر إلى أثرهم المعنوي في الأمة :

كان ضمير الفرد العادي من العامة يستشعر الحيرة و الألم و هو يرى الناس فئتين :

فئة صالحة تعمل للأخرة و تتقرب إلى الله بأنواع الطاعات و القربات ، لكنها لا حظ لها من الدنيا ، و أخرى فاسقة عاصية مقصرة في حق الله تعالى ، تتمتع بملاذ الحياة و نعيمها ، و لا يكاد يرى لهاتين ثالثة ، و يبدوا الخيار أمامه صعبا على من يقتدي و يتبع و الله المستعان .

أيكون مع الأولى فيقضي على نفسه بالحرمان و الفاقة مثل الرهبانية التي إبتدعها النصارى .

أو ينظم إلى الثانية فيقع في المحارم ؟

و معظم الأمة بطبيعة الحال لم ينقطعوا عن الدنيا لكنهم كانوا يعملون فيها و الإحساس بالندم و الذنب ينتابهم ، لأنهم يرون أنهم لا يعبدون الله حين يقومون بذلك ، و غاب عنهم أن ذلك جزء من الغاية العظمى التي خلقوا من أجلها  لقوله تعالى :

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) }.


و كل هذه الانحرافات وقعت قبل إحتكاك الغرب اللاديني بالشرق و قبل قيام الدولة العثمانية.

و عندما سيطر العثمانيون إزداد الأمر سوءا، و تطور الإنحراف حتى توهم الناس أن العبادة نفسها هي بالدرجة الأولى مايأمر به المشايخ و الأولياء من البدع ، ووقعت الأمة في شرك حقيقي بما كان السذج و الجهلة ، بل و بعض العلماء يمارسونه من بدع الأضرحة و المشاهد و المزارات و تقديس الموتى و الإعتماد عليهم في جلب النفع و دفع الضرر ، و وصل الأمر إلى حالة مزرية جدا حين كانت جيوش المستعمرين تقتحم المدن العربية و هؤلاء المشركين المنتسبين للإسلام زورا و بهتانا ، يستصرخون صاحب الضريح أو قبر السيد أو الولي الذي كان قد مضى على وفاته مئات السنين !!!


و إمتد البلاء إلى الأربطة و الثغور

التي بنيت أساسا للجهاد و مقارعة الكفار إذ تحولت إلى زوايا و تكايا للصوفية و في أحسن الأحوال أصبحت مدارس علمية صرفة ، لا أثر للتربية الجهادية فيها ، و حتى مناهجها التعليمية كانت مختلفة و محدودة.

وبالإضافة إلى الصوفية ساعد الفقهاء المتأخرون وكتب الفقه المبوبة - من غير قصد- على مد هذا الانحراف بتقسيمهم الأحكام الشرعية إلى عبادات ومعاملات واضعين في القسم الأول الأحكام التعبدية المحضة.

وفي الآخر الأحكام التعبدية المتعلقة بالنشاط الاجتماعي والاقتصادي وما شاكلها

لم يقولوا ولم يعتقدوا أن القسم الثاني ليس عبادياً، لكنهم وضعوا القسمة لاعتبارات فنية اصطلاحية لا تمس جوهر الموضوعات، ولا أدل على ذلك من أن الكتب الفقهية المؤلفة في القرنين الأول والثاني الهجريين ، وكذلك كتب السنة .

-بصفة عامة- تخلوان من هذه القسمة، غير أن هذا التقسيم - أصبح بعد ظهور وانتشار الصوفية 

وحدوث الانفصام العملي في الحياة الإسلامية- أصبح من دعائم هذا الانفصام.


إن تقسيم النشاط الإنساني إلى عبادات ومعاملات مسألة جاءت متأخرة عند التأليف في مادة الفقه، ومع أنه كان المقصود به في أول الأمر مجرد التقسيم الفني، الذي هو طابع التأليف العلمي، إلا أنه -مع الأسف- أنشأ فيما بعد آثاراً سيئة في التصور، تبعته -بعد فترة- آثار سيئة في الحياة الإسلامية كلها، إذ جعل يترسب في تصورات الناس أن صفة العبادة إنما هي خاصة بالنوع الأول من النشاط الذي يتناوله فقه العبادات، بينما أخذت هذه الصفة تبهت بالقياس إلى النوع الثاني من النشاط الذي يتناوله فقه المعاملات! وهي انحراف بالتصور الإسلامي لا شك فيه، فلا جرم يتبعه انحراف في الحياة كلها في هذه الأمة  '' .

وانبثق من هذا الانحراف، وواكبه انحراف في مفهوم آخر هو ركن من أركان الإيمان وهو القدر :

2- الانحراف في مفهوم الإيمان بالقدر:

لقد كتب أحد المستشرقين الألمان، وهو يؤرخ لحال المنتسبين للإسلام في عصورهم الأخيرة يقول: ''طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله والرضا بقضائه وقدره والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار، وكان لهذه الطاعة أثران مختلفان، ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دوراً كبيراً في الحروب إذ حققت نصراً متواصلاً؛ لأنها دفعت في الجندي روح الفداء، وفي العصور الأخيرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي، فقذف به إلى الانحدار وعزله وطواه عن تيارات الأحداث العالمية'' .

إن هذا الرجل -وهو لا ينتسب للإسلام - أدرك هذه الحقيقة، حقيقة الفرق بين الإيمان بالقدر كما فهمه السلف، وبين الإيمان الذي ابتدعه الخلف متأثرين بـالمتصوفة، فالذنب ليس ذنب العقيدة بل ذنب المعتقدين.

- نعم لا شك أن ما أصاب أمة محمد  من ذل وهوان وهزائم معنوية وحسية كان بقدر الله الذي لا يقع في كونه إلا ما يريد، ولا يخفى عليه شيء بل سيان في علمه ما كان وما سيكون، لكن قومنا الصابئة المنتسبين للإسلام في العصور الأخيرة حرفوا هذا المفهوم،فاتخذوا من الإيمان بالقدر مبرراً واهياً لعجزهم وانهيارهم متناسين أن أقدار الله إنما تجرى عليهم وفق سننه الثابتة التي أوضحها لهم،لكنهم غفلوا عنها وأهملوها، فالمسئولية مسئوليتهم وحدهم ولا يظلم ربك أحداً.

لقد انقلب التوكل الذي كان الباعث القوي لحركة الجهاد، والانطلاق في الأرض بأسباب الحياة، إلى تواكل رخيص مذموم سماه المتصوفة يقيناً، وسماه الآخرون قناعة، واحتسبه الكل عند الله.

و أول ماحرص عليه الأعداء هو بث سموم التشكيك و قلب المفاهيم لهذا الدين الإسلامي سواء في الحالة الإجتماعية أو الاقتصادية أو السلوك العملي أو في مايخص لباس المرأة و غيرها من الأمور الكثيرة .

فكان هدف المستعمر تكوين جيل يستحي من الانتساب للإسلام و يكره هو يقوم بشئ من شعائره خصوصا بين المثقفين الكبار،  و الطبقات التي تتهيأ للحكم و النفوذ بعد خروج المستعمر .


و أفلح الإستعمار  أيضا في تكوين جيل يرفض العمل تحت لواء الإسلام  ، و هذا الجيل هو -الطابور الخامس- الذي ألحق الهزائم في كل ميدان.

و هذا يدل على مدى عمق عداوتهم للإسلام و إنهم   لا يريدون إلا الشر و الكيد بهذا الدين و طمس معالمه .

و فعلا بعد خروج المستعمر من الديار العربية أوكل المهمة لعملاء تابعين لهم من أبناء جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا ، فدعوا إلى نشر رابطة القومية العربية التي حلت محل الإسلام و الاشتراكية و الديمقراطية و الرأسمالية الغربية

و الله تعالى يقول :

{ لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ }

و قوله صلى الله عليه وسلم: {لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى } رواه أحمد و غيره .


١ -التربية و التعليم :

العلم كما يقال سلاح ذو حدين ، و من هذا المنطلق أدرك المستعمر الكافر أن صخرة العقيدة الإسلامية لا يمكن النيل منها عن طريق القوة و السلاح فهي قد أدمتهم كثيرا ، و لذلك لجأوا إلى وسيلة أخرى هي أخبث في التأثير و أشد في الدهاء، و هذه الوسيلة هي غزو مناهج التربية و التعليم في هذه الأمة المنتسبة للإسلام بأفكار و نظريات و شبهات و شكوك يضفي عليها - كذبا و بهتاتا - ثوب التجرد العلمي ، و البحث العلمي !! و سلك أعداء الإسلام في هذا سبيلين:

الأول: السيطرة على التعليم في الداخل .

ثانيا: عن طريق الإبتعاث إلى الدول الكافرة .

فسبيل الأول كان خلال حقبة الإستعمار المباشر و بسط نفوذه على العالم العربي خصوصا .

و أما السبيل الثاني هو الإبتعاث إلى الخارج و قد حقق نتائج ترضي من خطط لها .

إن العالم المنتسب للإسلام كله اليوم يسير في تعليمه و تربيته العلمية على نهج الغربي و الشرقي بدليل أن كل الجامعات - مثلا - تدرس نظرية فرويد في البحوث النفسية و نظرية دور كريم في علم الإجتماع ، و نظرية ماركس الاشتراكية و الشيوعية ، و نظرية فريزر في علم مقارنة الأديان . و جورج لومتر صاحب نظرية الانفجار العظيم ، و داروين الذي تنسب إليه النظرية الداروينية.

و ينادى باحياء الجاهلية التي سماها الله في كتابه و سنة رسوله جاهلية ، تدرس على أنها حضارة راقية ضاربة في أعماق التاريخ أكثر من سبعة آلاف سنة !

و كذلك التغني بأمجاد أوروبا و معرفة - أبطال - حضارتها ، و إقصاء الشريعة كنظام حكم و مرجعية من السلطة الحاكمة ، و أن الدين علاقة بين العبد وربه و لا دخل له في الحياة ، كل ذلك كان ثمارا و نتيجة للغزو الفكري .


٢- وسائل الإعلام: و هو كذلك سلاح ذو حدين .

فكانت وسائل الإعلام في الماضي هي تلفاز و كتاب و مجلات و جرائد ثم تطورت إلى وسائل التواصل الإجتماعي في العشرين السنة الأخيرة عبر شبكة الأنترنت من فيسبوك و اليوتوب و غيرها وتركت أثر كبير و خطير عل جميع طبقات المجتمع . فأدرك أعداء الإسلام خطورة الوسائل و مالها من تأثير عميق فأحكموا قبضتهم عليها ، و بث سمومهم عبر هذه الوسائل في إفساد أخلاق المجتمع و نشر الرذيلة و الفاحشة و نشر العقائد الفاسدة و نشر المذاهب الهدامة الفاسدة ، فكيف يرجى بعد ذلك قيام بناء سليم .

و هذه الوسائل قد قامت بمحاربة الله في الأرض ، تريد أن تحلل ماحرم الله ، و تحرم ماأحل الله ، فنصبت نفسها طاغوتا يعبد من دون الله.

و خلاصة القول أن و سائل الإعلام و من يخطط لها : إنها قلبت المنكر معروفا و أمرت به ، و قلبت المعروف منكرا و نهت عنه .

و من يراجع بروتوكولات حكماء صهيون يجد مصداق ما ذكرنا كله حرف بحرف

جاء في البروتوكول الثالث عشر


مانصه: [ ولكي نبعد الجماهير من الأمم غير اليهودية عن أن تكشف بنفسها أي خط عمل جديد لنا ، سنلهيها بأنواع شتى من الملاهي و الألعاب و هلم جرا ، و سرعان ما سنبدأ الإعلان في الصحف داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى من كل أنواع المشروعات كالفن و الرياضة و ما إليها ........ ]

و كذلك ساهمت كتب المستشرقين في تزييف حقائق الدين و التاريخ الإسلامي ، و لقد أحدث كتب المستشرقين زعزعة كبيرة في ضعاف النفوس ، فخرج من هذه المدرسة التشكيكية أجيال تولت القيادات الفكرية و العلمية في العالم المنتسب للإسلام ، فقد كان هدف المستشرقين من اليهود والنصارى الطعن في القرآن و السنة و التشكيك فيه .

٣- المذاهب الدينية :

إن من أخبث و أخطر ما واجه المنتسبين للإسلام في عصرهم الحاضر ، إنتشار المذاهب اللادينية بينهم ، حيث أريد لهذه المذاهب الهدامة أن تبعد و تقصي شريعة الله عن حياة الناس و تشتت ولائهم إلى ولاءات جاهلية متعددة ، وبالتالي يسهل تقبلهم أي فكر منحرف.

فهذه المذاهب اللادينية الهدامة من ديمقراطية و شيوعية إشتراكية و علمانية رأسمالية هي عودة إلى حكم الجاهلية التي تتمثل في الطاعة و الانقياد و الخضوع لها و لطواغيتها الذين يخططون لها .

و العودة أيضا إلى جاهلية العرق و النسب و التراب و سائر النتن التي أمر الله المسلمين بتركها لأنها تنقض عرى الإسلام عروة عروة ، و هذا الهدف تتفق عليه كل المذاهب الكافرة باتجاهاتها المختلفة و انتماءاتها المتنوعة .

و من ذلك القومية و الوطنية التي إنتشرت في هذه الأمة  بعد خروج الإستعمار الغربي ، اللتان تحصران الولاء في دائرة الجنس أو التراب فيلتقي فيها مثلا اليهودي العربي و النصراني العربي و المشرك العربي ، و العلماني العربي مع المسلم العربي لأن رابطة القومية تجمعهم !!

و هذا أمر يرفضه الدين الحنيف لأن الرابطة فيه هي رابطة العقيدة و الدين ، فضلا عن أن الوطنية و القومية ضيقتا دائرة الولاء .

-إن المسلمين في زمان القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية كانوا أمة واحدة تظللهم راية ” لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، ورغم خط الإنحراف الذي يرتفع و يهبط في تاريخ المسلمين إلا أنهم إلى مايقرب من ثلاثة قرون كانوا يشعرون أنهم أمة واحدة يدينون بدين واحد ، و يؤمنون بكتاب واحد و سنة واحدة و يتحاكمون إلى شريعة واحدة


و لقد كان المسلم يخرج من طنجة حتى ينتهي به المقام في بغداد لا يحمل معه جنسية قومية أو هوية وطنية و إنما يحمل شعارا إسلاميا هو كلمة التوحيد ، فكلما حل أرضا وجد فيها له إخوة في الإيمان و إن كانت الألسن مختلفة و الألوان متباينة  لأن الإسلام أذاب كل تلك الفوارق و اعتبرها من شعارات الجاهلية .

تأسيس النظام الدولي [ النظام العالمي ]:

ولكي نتكلم عن ماهية النظام الدولي الرقمي حاليا الذي يعاد بناءه من جديد ، لا بد علينا الرجوع إلى الماضي ، ماهو النظام الدولي و كيف تشكل هذا النظام ؟

فهذا لمعرفة واقع زمننا الذي نعيشه حتى نربط الواقع بالحكم الشرعي  ؟


فالنظام الدولي بداية بنائه كان بعد قيام الثورة الفرنسية سنة 1789، وهذا كان مع إنفجار الثورة الصناعية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر ميلادي ،و بعد إنتقال الحياة البشرية من المرحلة التقليدية إلى المرحلة الميكانيكية ، أي بعد أن إكتشفوا المادة و عرفوها جيدا ، و بالتالي صار من الممكن التحكم في المادة و إطلاق العجلة الصناعية في العالم ، و التي غيرت وجه الحضارة التقليدية

و عندما إكتشفوا المادة علموا أنهم بحاجة إلى الموارد و المواد الأولية من حديد و نحاس و ألمنيوم.....الخ و بحاجة في  جلب هذه الموارد من عدة بلدان من و عدة قارات في العالم .

و بالتالي كان لا بد من إقامة نظام دولي جديد يمكنهم من الهيمنة و يمكنهم من جلب هذه الموارد

و العقبة الوحيدة التي كانت تمنعهم من تشكيل نظام دولي مهيمن و جلب الموارد  هو الإمبراطورية  العثمانية التي كان يطلق عليها الأوروبيون - الرجل المريض- و التي كانت تحكم العالم العربي و غيره.

فكان لزاما عليهم القيام بتفكيك العالم المنتسب للإسلام و خاصة على وجه التحديد العالم العربي

و لقد فككت كل الإمبراطوريات ذات صبغة الممتدة عبر القارات ، فبقيت الإمبراطورية العثمانية فقاموا بتفكيك العالم الذي تحت هيمنتها  المنتسب للإسلام تفكيكا تاما و هدموا الإمبراطورية العثمانية تبعا لذلك و لم يكن ذلك يتم لهم  إلا عبر إشعال حرب عالمية أولى و التي إنهزمت فيها الدولة العثمانية مع حليفتها المانيا ضد المستعمر فرنسا و بريطانيا ، و إستسلمت فيه، ثم أقاموا فيه نظام دولي و أحد مؤساسته - عصبة الأمم المتحدة -

ثم قسموا الأمة تقريبا  إلى 56 دولة قطرية   ثم بعد الحرب العالمية الثانية  قاموا بتأسيس - هيئة الأمم المتحدة- و محكمة العدل الدولية بقيادة دول التحالف أمريكا و فرنسا و بريطانيا و الإتحاد السوفياتي سابقا .

فأصبح النظام العالمي بقيادة الأمم المتحدة و تقوده خمس دول كبار أمريكا و أوروبا و الصين و روسيا و فرنسا هم المهيمنين على عالمنا اليوم .


فاءن النظام العالمي كان يحتاج إلى قوة مادية تثبت أو تربط هذا النظام حتى لا ينهار ، ولم يكن يحتاج إلى إتفاقيات أو شرعيات دولية ،و بالتالي هو نظام عالمي جديد يصب في مصلحة القوى الكبرى المهيمنة على العالم .

و بالتالي هذه القوى المادية و المرابط  جاءت في قلب العالم المنتسب للإسلام وهو العالم العربي

و في مراكز لها ثقل ديني عند هذه الأمة المنتسبة للإسلام ، فكانت هذه القوى المادية و المرابط التي تربط النظام العالمي حتى لا ينهار هي

المربط الأول القدس أو المسجد الأقصى التي أولى قبلة المسلمين  لتكون من نصيب الرقابة الصهيونية اليهودية .

ثم إختاروا سوريا -الشام- لتكون موضع رقابة من قبل الطائفة الباطنية  النصيرية.

ثم إختاروا أيضا المربط العقدي الديني و مركزها مكة و المدينة و وضعت الرقابة فيه من قبل عائلة سعودية و التي أصبحت فيه كل الفتاوى تصب في صالح خدمة إستقرار و هيمنة النظام العالمي و مؤساسته الدولية على العالم كله .

وهكذا إستطاعوا أن يمسكوا بزمام النظام العالمي و أن يمنعوا من تفككه و إنهياره.

فالنظام العالمي يقوده شقين من القوي الكبري

الشق الغربي بقيادة أمريكا و أوروبا

و الشق الشرقي بقيادة الصين و روسيا

لكن بعد قيام الثورات الشعبية و خاصة ثورة سوريا لأنها هي أحد مراكز القوى المادية للنظام العالمي التي مهمتها مراقبة كل حركات التحرر التي تتزعم الجهاد في زمننا المعاصر ، فكان إنهيار هذا المربط مؤشر على نهاية هذا النظام العالمي و بالتالي يصبح هناك فراغ أمني هائل ، فأصبح النظام العالمي أعمى لا يستطيع مراقبة مايحدث في الشرق الأوسط.

و معروف إن سقط مربط واحد من هذه المرابط سيكون هناك إستنفار أمني هائل غير مسبوق كما يحدث في سوريا الآن ، لأنهم يخشون يقظة هذه الأمة من جديد و إلى إنهيارات في الأنظمة العربية الأخرى .

لكن الحقيقة هي عدم  يقظة الأمة و عودتها إلى عزها و قيادتها للعالم لم يكن إلا من خلال تفرقها و غياب جماعة المسلمين وإمامهم التي تحكم بالكتاب و السنة و تنهج نهج السلف الصالح   و هذا الذي غاب عن النظام العالمي و جهلوه .

إذا فيقظة الأمة و تمكينها يكون بلزوم الجماعة و إجتناب الفرقة.


بلاد الشام إذا هي أرض الملحمة في أخر الزمان و منها تنطلق من جديد الفتوحات الإسلامية إلى أوروبا و فيها ينزل عيسى صلى الله عليه وسلم ، و هذا الذي كان تخشاه القوى الكبرى المهيمنة على العالم ، لذلك جعلوا فيها قوة مادية تثبت النظام العالمي .

لكن السؤال هو من هم المسلمين الذين يقودون الفتح الإسلامي من جديد ؟

الجواب ليس هم قومنا الصابئة المنتسبين للدين الإسلام إسما فقط .

بل هم جماعة المسلمين وإمامهم و هم الخلافة الراشدة الثانية في أخر الزمان الذين يحتكمون إلى الكتاب و السنة و كل من ليس معهم فهو من الفرق الكافرة التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة رضي الله عنه.


و هنا نفهم أن حتى لو سقطت كل هذه المرابط كلها  فلن تستيقظ الأمة من سباتها العميق و ترجع إلى العزة و التمكين إلا من طريق واحد هو لزوم جماعة المسلمين و موالتهم و نصرتهم و البراءة مما سواهم .

٣- قيام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة:


إن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال .. لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديًا أو ضعفت من ناحية القوة الاقتصادية والعسكرية .. ولكن لأن النظام الغربي قد انتهى دوره لأنه لم يعد يملك رصيدا من "القيم" لا يسمح له بالقيادة.

لابد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي، وتزود البشرية بقيم جديدة جدَّة كاملة - بالقياس إلى ما عرفته البشرية - وبمنهج أصيل وإيجابي وواقعي في الوقت ذاته. والإسلام - وحده - هو الذي يملك تلك القيم، وهذا المنهج.


لقد أدَّت النهضة العلمية دورها .. هذا هو الدور الذي بدأت مطالعه مع عصر النهضة في القرن السادس عثر الميلادي، ووصلت إلى ذروتها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر .. ولم تعد تملك رصيدا جديدا.


كذلك أدَّت "الوطنية" و "القومية" التي برزت في تلك الفترة، والتجمعات الإقليمية عامة دورها خلال هذه القرون. . ولم تعد تملك هي الأخرى رصيدًا جديدًا. ثم فشلت الأنظمة الفردية والأنظمة الجماعية في نهاية المطاف.


ولقد جاء دور "الإسلام" ودور "الأمة" في أشد الساعات حرجًا وحيرة واضطرابًا .. جاء دور الإسلام الذي لا يتنكَّر للإبداع المادي في الأرض، لأنه يعدُّه من وظيفة الإنسان الأولى منذ أن عهد الله إليه بالخلافة في الأرض، ويعتبره - تحت شروط خاصة - عبادة لله، وتحقيقًا لغاية الوجود الإنساني. {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي} [الذاريات: 56] وجاء دور "الأمة المسلمة" لتحقق ما أراده الله بإخراجها للناس: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]


لابد من قيادة تملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية، عن طريق العبقرية الأوروبية في الإبداع المادي، وتزود البشرية بقيم جديدة جدَّة كاملة - بالقياس إلى ما عرفته البشرية - وبمنهج أصيل وإيجابي وواقعي في الوقت ذاته. والإسلام - وحده - هو الذي يملك تلك القيم، وهذا المنهج.




إن الإسلام لا يملك أن يؤدي دوره إلا أن يتمثل في مجتمع، أي أن يتمثل في أمة .. فالبشرية لا تستمع - وبخاصة في هذا الزمان - إلى عقيدة مجردة، لا ترى مصداقها الواقعي في حياة مشهودة. . و "وجود" الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة ..

فالأمة المسلمة ليست "أرضًا" كان يعيش فيها الإسلام. وليست "قومًا" كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي .. إنما "الأمة المسلمة" جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي و من الشريعة الإسلامية .

وهذه الأمة - بهذه المواصفات! كان قد انقطع وجودها منذ انقطاع جماعة المسلمين التي تحكم بشريعة الله من فوق ظهر- الأرض جميعًا. ولابد من "إعادة" وجود هذه "الأمة" لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى.

لابد من "بعث" لتلك الأمة التي واراها ركام الأجيال وركام التصورات، وركام الأوضاع، وركام الأنظمة، التي لا صلة لها بالإسلام، ولا بالمنهج الإسلامي. . وإن كانت ما تزال تزعم أنها قائمة فيما يسمى "العالم الإسلامي" !!! وأنا أعرف أن المسافة بين محاولة "البعث" وبين تسلم "القيادة" مسافة شاسعة. . فقد غابت الأمة المسلمة المتمثلة في ”جماعة المسلمين و إمامهم "عن "الوجود" وعن "الشهود" دهرًا طويلاً. وقد تولت قيادة البشرية أفكار أخرى وأمم أخرى، وتصورات أخرى وأوضاع أخرى فترة طويلة. وقد أبدعت العبقرية الأوروبية هذه الفترة رصيدًا ضخمًا من "العلم" و "الثقافة" و "الأنظمة" و "الإنتاج المادي" .. وهو رصيد ضخم تقف البشرية على قمته، ولا نفرِّط فيه ولا فيمن يمثله بسهولة! وبخاصة أن ما يسمى اليوم  ”بالعالم الإسلامي" المزعوم ، يكاد يكون عاطلاً من كل هذه الزينة! ولكن لابد - مع هذه الاعتبارات كلها - من "البعث الإسلامي" مهما تكن المسافة شاسعة بين محاولة البعث وبين تسلم القيادة. فمحاولة البعث الإسلامي هي الخطوة الأولى التي لا يمكن تخطيها! - - - ولكي نكون على بينة من الأمر، ينبغي أن ندرك - على وجه التحديد - مؤهلات هذه الأمة للقيادة البشرية، كي لا نخطئ عناصرها في محاولة البعث الأولى. إن هذه الأمة لا تملك الآن - وليس مطلوبًا منها - أن تقدم للبشرية تفوقًا خارقًا في الإبداع المادي، يحنى لها الرقاب، ويفرض قيادتها العالمية من هذه الزاوية. . فالعبقرية الأوروبية قد سبقته في هذا المضمار سبقًا واسعًا. وليس من المنتظر - خلال عدة قرون على الأقل - التفوق المادي عليها! فلابد إذن من مؤهل آخر! المؤهل الذي تفتقده هذه الحضارة! إن هذا لا بعني أن نهمل الإبداع المادي. فمن واجبنا أن نحاول فيه جهدنا. ولكن لا بوصفه "المؤهل" الذي نتقدم به لقيادة البشرية في المرحلة الراهنة. إنما بوصفه ضرورة ذاتية لوجودنا. كذلك بوصفه واجبًا يفرضه علينا "الدين  الإسلامي" الذي ينوط بالإنسان خلافة الأرض، ويجعلها - تحت شروط خاصة - عبادة لله، وتحقيقًا لغاية الوجود الإنساني. لابد إذن من مؤهل آخر لقيادة البشرية - غير الإبداع المادي - ولن يكون هذا المؤهل سوى "العقيدة" و "المنهج" الذي يسمح للبشرية أن تحتفظ بنجاج العبقرية المادية، تحت إشراف تصور آخر يلبِّي حاجة الفطرة كما يلبيّها الإبداع المادي، وأن تتمثل العقيدة والمنهج في تجمع إنساني. أي في مجتمع مسلم متمثلا في جماعة المسلمين وإمامهم كما كان زمن الصحابة رضوان الله عليهم و كما دلت النصوص على ذلك.


إنْ العالم يعيش اليوم كله في "جاهلية" من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها. جاهلية لا تخفف منها شيئًا هذه التيسيرات المادية الهائلة، وهذا الإبداع المادي الفائق! هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية. . وهي الحاكمية. . إنها تسند الحاكمية إلى البشر، فتجعل بعضهم لبعض أربابا، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع، بمعزل عن منهج الله للحياة، وفيما لم يأذن به الله .. فينشأ عن هذا الاعتداء على سلطان الله اعتدا ء على عباده. . وما مهانة "الإنسان" عامة في الأنظمة الجماعية، وما ظلم "الأفراد" والشعوب بسيطرة رأس المال والاستعمار في النظم "الرأسمالية" إلا أثرًا من آثار الاعتداء على سلطان الله، وإنكار الكراهة التي قررها الله للإنسان! وفي هذا يتفرد المنهج الإسلامي .. فالناس في كل نظام غير النظام الإسلامي، يعبد بعضهم بعضًا - في صورة من الصور - وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرر الناس جميعًا من عبادة بعضهم البعض، بعبادة الله وحده، والتلقي من الله وحده، والخضوع لله وحده. وهذا هو مفترق الطريق .. وهذا كذلك هو التصور الجديد الذي نملك إعطاءه للبشرية- هو وسائر ما يترتب عليه من آثار عميقة في الحياة البشرية الواقعية - وهذا هو الرصيد الذي لا تملكه البشرية، لأنه ليس من "منتجات" الحضارة الغربية، وليس من منتجات العبقرية الأوروبية! شرقية كانت أو غربية. إننا - دون شك - نملك شيئا جديدًا جدَّة كاملة. شيئا لا تعرفه البشرية. ولا تملك هي أن "تنتجه" ! ولكن هذا الجديد، لابد أن يتمثل -كما قلنا - في واقع عملي. لابد أن تعيش به أمة .. وهذا يقتضي عملية "بعث" في هذه الأرض ، هذا البعث الذي يتبعه - على مسافة ما بعيدة أو قريبة - تسلم قيادة البشرية. فكيف تبدأ عملية البعث الإسلامي؟

ولابد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من أن تعرف منها طبيعة دورها، وحقيقة وظيفتها، وصلب غايتها. ونقطة البدء في الرحلة الطويلة .. كما تعرف منها طبيعة موقفها من الجاهلية الضاربة الأطناب في الأرض جميعًا. . أين تلتقي مع الناس وأين تفترق؟ ما خصائصها هي وما خصائص الجاهلية من حولها؟ كيف تخاطب أهل هذه الجاهلية بلغة الإسلام وفيم تخاطبها؟ ثم تعرف من أين تتلقى - في هذا كله - وكيف تتلقى؟


هذه المعالم لابد أن تقام من المصدر الأول لهذه العقيدة وهو القرآن ، ومن توجيهاته الأساسية، ومن التصور الذي أنشأه في نفوس الصفوة المختارة، التي صنع الله بها في الأرض ما شاء أن يصنع، والتي حولت خط سير التاريخ مرة إلى حيث شاء الله أن يسير.


و هاهي جماعة المسلمين و إمامهم قامت الحمد لله و بتوفيقه الله و فضله و بمشيئته أن شاء لها أن تظهر منذ مايقارب سبعة سنوات من تأسيسها .

فعرفت بفضل الله مكمن المرض و حقيقته في هذه الأمة حتى تستطيع أن تضع الدواء على الجرح العميق ، و ذلك برجوعها إلى نهج الصحابة كيف دخلوا إلى الإسلام و كيف تأسست نواة المسلمين و جماعة المسلمين و إمامهم الأولى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

و هذه الجماعة التي نحن ننتمي إليها

بشرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بظهورها في أخر الزمان الذي نحن فيه وهي الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ، و قيامة الجماعة المسلمة و تأسيسها كان في بلاد المغرب العربي كما دلت سنته صلى الله عليه وسلم و إمامها هو المستقوي بالله أبو ناصر العروسي القرشي حفظه الله

أحاديث السنة الدالة على قيام الخلافة بعد الملك الجبري كالآتي:

صحيح مسلم : كتاب الإمارة :

باب الناس تبع لقريش :

حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير عن حصين عن جابر بن سمرة : قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ح

حدثنا رفاعة بن الهيثم الواسطي و اللفظ له - حدثنا خالد - يعني إبن عبد الله الطحان - عن حصين عن جابر بن سمرة ، قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : { إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم إثنى عشر خليفة .قال: ثم تكلم بكلام خفي علي ، قال: فقلت لأبي: ماقال؟

فقال: ”كلهم من قريش ” }

و الدليل الثاني على قيام الخلافة قبل ظهور المهدي من السنة :

جاء في سنن ابن ماجة :

كتاب الفتن : باب خروج المهدي:

حدثنا محمد بن يحيى و أحمد بن يوسف ، قالا: حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثعبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ، ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ، ثم ذكر شيئا لا أحفظه

فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ، و لو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي. }

و الدليل الثالث على خروج الخلافة الراشدة من المغرب :

قال: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: أخبرنا هُشَيْمٌ، عن دَاوُدَ بن أبي هِنْدٍ، عن أبي عُثْمَانَ، عن سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ حتى تَقُومَ السَّاعَةُ».




كتبه: السفير أبو عمر الجزائري.

 
 
 

أحدث منشورات

عرض الكل
أنقذوا غزة

أنقذوا غزة بسم الله الرحمن الرحيم بلاغ حول مأساة غزة وتشخيص واقع الأمة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله الطيبين، ورضي...

 
 
 
حكم الله بين الإقرار والجحود

حكم الله بين الإقرار والجحود والخلل في الميزان الموجود الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله، أما بعد،  عن ابن عباس رضي الله عنه في...

 
 
 

Comments


جماعة المسلمين وإمامهم

البريد الإلكتروني: Imamabounacer@gmail.com

الهاتف : 00212661707896

  • بيعة الإسلام لله
  • Donate for JM
  • Telegram
  • جماعة المسلمين وإمامهم
  • الصفحة الرسمية على فيسبوك
  • وتساب
bottom of page