اليهود و النصارى لهم علماء
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله،
أما بعد،
نحن في زمن كثر فيه الجهل و عم فيه القول على الله بغير علم و اعجب كل ذي رأي برأيه ، و اتخذ الناس رؤوسا جهلا يفتون بغير علم فيضلون و يضلون ، و نطق فيه الرويبضة.
نحن في زمن يصدق فيه الكاذب و يكذب فيه الصادق ، و يؤتمن فيه الخائن و يخون فيه الأمين ، و الاسلام فيه غريب. نحن في زمن يصبح الرجل مؤمنا و يمسي كافرا، و يمسي مؤمنا و يصبح كافرا ، القابض فيه على دينه كالماسك على الجمر ، و الخائن لله و رسوله ولي الأمر .
صار في أمة محمد دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، و نساء كاسيات عاريات مائلات عن الحق مميلات لمن اتبعهن رؤوسهن كظهور النوق لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها ، صار في أمة محمد أقوام يستحلون الخمر و يسمونها مشروبات روحية ، يستحلون المعازف يسمونها غداء الروح ، و يستحلون الزنى و يسمونها علاقة حميمية ، و يستحلون الربا يسمونها فائدة أو مرابحة.
مساجدهم عامرة و هي خراب من الهدى ، يجتمعون فيها و ليس فيهم مؤمن ، علمائهم شر من تحت أديم السماء.
نعم ، علماء السوء أكبر همهم أن يجادلوا عن الخونة المجرمين و يسوونهم بالأئمة المهديين في تصحيح ولايتهم و إلزام الناس بالسمع و الطاعة لهم ، فهل بعد هذا الضلال من ضلال و هل بعد هذا الشر من شر.
لقد حذرنا الله تعالى في كتابه العزيز من اتباع علماء السوء كما فعله أهل الكتب السابقة فقال " يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار و الرهبان لياكلون أموال الناس بالباطل و يصدون عن سبيل الله " و قال " لولا ينهاهم الربانيون و الأحبار عن قولهم الزور و أكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون " و قوله تعالى " اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله ".
فتبين بأن العلماء على صنفين ، الصنف الأول علماء هم ورثة الأنبياء، يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا إلا الله " إنما يخشى الله من عباده العلماء " قال ابن مسعود " العلم بكثرة الخشية و ليس بكثرة الحديث " و الصنف الثاني علماء سوء يصدون عن سبيل الله و يأكلون أموال الناس بالباطل و لا ينهون عن المنكر و لا يأمرون بالمعروف، فمنهم الشيطان الناطق بالباطل و منهم الساكت عن الحق الشيطان الأخرس.
و بين لنا سبحانه أيضا بأن الناس في اتباعهم للعلماء صنفان ، صنف يتبعون العلماء الصادقين في ما يقولون و ما يعملون ، و يسألونهم عما لا يعلمون. و هم بذلك متبعون لأمر الله ، فما يتبعون العلماء إلا طاعة لله و طمعا في مرضاته ، فإن تبين أن العالم خالف الدليل من الكتاب و السنة فإنهم لا يتبعونه.
قال الله تعالى " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء "
فكل يؤخذ من قوله و يترك الا رسول الله وما وجدتموه يخالف الدليل فاضربوا به عرض الحائط و إذا صح الحديث فهو مذهب العلماء الصادقين، فإذا وجدتم قول العالم يخالف الحديث فاعملوا بالحديث و اتركوا قول العالم.
و الصنف الآخر من الناس ، غلوا في علماءهم فاتخذوهم أربابا من دون الله فما أحلوه لهم فهو الحلال و ما حرموه عليهم فهو الحرام قال الله تعالى " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ".
فيحتجون تارة بأنهم لا يستطيعون فهم كلام الله و أن العلماء هم الذين يفهمون ! و ما أقبحه من عذر ؟ هل الإسلام مخصص فقط للأذكياء و لا يستطيع متوسطو الذكاء أن يعبدوا الله و لا يشركوا به شيئا ؟ و هل يوجد أوضح من كلام الله و كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فإن لم تفهم كلام رسول الله فما الضامن أنك تفهم كلام ما دونه من الناس ؟
أليس هناك تفاسير للقرآن ؟ أليس هناك معجم للمصطلحات ؟ وهل اذا غاب عنك معنى كلمة من كلام الله و رسوله ثم بحثت عن تلك الكلمة حتى تعرف معناها و تعيها كما لو أنك رددت آيات الله وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم لأجل قول بشر من البشر ؟
إن دور العلماء هو بيان الأحكام بالإستناد إلى الأدلة الشرعية أو بصيغة أخرى أن يبلغوك مراد الله منك و ليس دور العلماء أن يفتوا بآراء مستقلة عن كلام الله و حديث رسول الله.
و من الناس أيضا من يتحجج بأنه معذور إذا اتبع أحد أقوال من يعدهم علماء و أن جميع أقوالهم صحيحة مقبولة و أن كل اختلاف انما هو اختلاف تنوع و رحمة.
و هم بقولهم هذا مكذبون لقول الله تعالى " تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ "
" و لا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ".
...........
أيها الناس ،
هل كان منهج رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه أن يدرسوا الأحاديث و الآيات لعدة سنين في المدارس و الجامعات ثم يجلسوا للتعليم و التدريس دون أي حركة في واقع الناس ؟ أم كان القرآن و السنة واقعا عمليا يأتمرون بأمره و ينتهون بنهيه و يتعضون بموعضته و يبشرون ببشارته و يواسون بمواساته ؟
فهل العالم هو الذي يتبع طريق النبي صلى الله عليه و سلم و الصحابة ؟ أم العالم هو الذي يخالف سبيلهم و يتبع مناهج التدريس النظري المفرغ من الأثر الذي يجب أن يحدثه في واقع الناس ؟
يقول الله تعالى " و الذين اهتدوا زادهم هدى " " ويزيد الله الذي اهتدوا هدى " و أما الذين لم يهتدوا و لم يعملوا بما علموا فمن يزيدهم هدى و هل يزدادون الا ضلالة ؟
ينادي العلم العمل فإن أجابه و إلا ارتحل
كان الصحابة رضوان الله عليهم يتعلمون عشر آيات من القرآن لا يجاوزونها حتى يعملوا بما فيها و منهم من تعلم خمسا خمسا و منهم من تعلم آيتين آيتين و منهم من تعلم آية آية. و كانوا يتمون حفظ سورة البقرة في حوالي عشر سنين لما فيها من العمل.
إن العلم أمانة عظية ، وواجب كل مسلم أن يتعلم ان يعبد الله و لا يشرك به شيئا فإنه لا عذر لأحد باتباع أحد على الضلال ، و إن الله لن يحاسب أحدا مكانك لا عالما و لا ذي سلطان و كلهم آتيه يوم القيامة فردا ، و لا تزر وازرة وزر أخرى فان العالم لن يتحمل عنك ذنوبك إن كنت تتبعه في الباطل و أن ليس للإنسان الا ما سعى فلن تؤجر إلا على عملك الذي عملته بنفسك.
فالعالم لن يحاسب مكان الكافر ولن يتحمل عنه كفره و لكل قوم علماء فلليهود علماء و من اتبعهم فهو في النار معهم و للنصارى علماء و من اتبعهم فهو في النار معهم و للشيعيين علماء و من اتبعهم فانه في النار معهم.
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
لذلك فأوجب الواجبات تعلم التوحيد و العمل به ومعرفة الشرك و الابتعاد عنه و تعلم الفرائض و الواجبات ثم تعلم النوافل و المستحبات فإن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة و لا يقبل الفريضة حتى يجتنب الشرك و الكفر و يؤدى التوحيد.
أيضا ،
يجب الحذر كل الحذر من القول على الله بغير علم :
" و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا "
"وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ "
" وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ "
" وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ "
كلها آيات تحذر من الكذب والقول على الله بغير علم ، لذلك لا بد أن ترتبط أقوالنا و أفعالنا بالآيات القرآنية و الأحاديث النبوية بفهم السلف الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه و سلم " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " الذين كانوا معظمين لشعائر الله حريصين على اجتناب القول على الله بغير علم، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه " أي أرض تقلني (تحملني) و أي سماء تظلني إن أنا قلت في القرآن ما لا أعلم ".
لقد قال رجل عابد لرجل صاحب معاصي " و الله لن يغفر الله لك " فقيل له: و ما يدريك وأحبط عمله. ورؤي رجل قال " ما أحوج الناس إلى غيث " فقيل له ما يدريك ؟ ان الله اعلم بما يصلح أحوال العباد !
و كان الصحابة رضوان الله عليهم يضعون الحجارة في أفواههم ليجتنبوا الكلام فهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم.
قال الله تعالى :
" لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس "
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
"الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وماوالاه وعالماً أو متعلماً ".
إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما
اللهم صل على محمد و على آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم انك حميد مجيد
اللهم بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
اللهم أصلح أقوالنا و أعمالنا و جميع أحوالنا
اللهم اشف صدورنا و طهر قلوبنا و زك نفوسنا و حسن خلقنا
اللهم اجعل خلقنا القرآن و زين في قلوبنا الإيمان و كره الينا الكفر و الفسوق و العصيان
و قل رب زدني علما