الحكم بغير ما أنزل الله
الحكم بغير ما أنزل الله
إما أن يكون كفرا أكبر مخرجا من الملة وإما أن يكون كفرا أصغر غير مخرج من الملة.
يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر مخرجا من الملة بالنسبة للجاحد لحكم الله المنكر له المكذب لآيات الله " بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ "، أو الرافض الانقياد له استكبارا " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ".
ويكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أصغر غير مخرج من الملة إذا كان الحاكم مقرا بحكم الله غير جاحد به ولا رافض له.
ومن المعلوم أن حكم الله تعالى يشمل عدة أحكام في الحلال والحرام والفرائض والعقوبات.
فنحتاج الى التمييز بين اربع حالات :
١. المقر بأصل حكم الله (في كل شيء)
٢. الجاحد لأصل حكم الله (في أي شيء )
٣. المقر بفرع حكم الله (حكم واحد او اكثر)
٤. الجاحد لفرع حكم الله (حكم واحد او اكثر)
فالمسلم هو الذي يقر بأصل حكم الله وذلك حين دخول الإسلام وقبول الشهادتين وفرائض الدين واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أقر بأصل حكم الله فقد أقر بكل فروع حكم الله في مختلف القضايا التي تعرض له في المستقبل، وباتباع الرسول في كل أمر ونهي.
لكن إذا حصل أن الرجل بعد اقراره بأصل حكم الله، جحد بعد ذلك فرعا من فروع حكم الله في قضية معينة، فانكر معلوما من الدين بالضرورة ، قامت به الحجة القاطعة للعذر عليه ، وذلك في الأمور القطعية المجمع عليها، كمن انكر تحريم الخمر او استحل الزنا او رجل نكح امرأة أبيه رافضا الامتثال لفرع من الفروع القطعية لحكم الله وهو تحريم نكاح زوجة الأب ، فإنه ينقض بذلك إقراره الأول ويكون بذلك خارجا من ملة الإسلام.
أما من أقر بأصل حكم الله وفروعه وحكم في فرع بغير حكم الله وهو مقر بحكم الله فيه، فهذا الذي قال فيه ابن عباس رضي الله عنه أنه كفر دون كفر. وذلك عند مناظرته للخوارج الذين يكفرون بالذنوب التي دون الشرك، والدليل على ذلك ان علي ابن ابي طالب ومعاوية ابن ابي سفيان كلاهما مقر بحكم الله ولم يجحد أحدهما أو يرفض حكم الله وندعو لهما بالمغفرة والرحمة ، فانهما حكما بشرع الله كل حسب اجتهاده وعلمه وتقواه وصلاحه.
والمثال على هاته الحالات السابقة، ان يعرض سارق على القاضي والحجة ثابتة في حقه :
- فأما الجاحد لأصل حكم الله فيقول لا يصلح قطع يد السارق ولا الاعتماد على الاكتاب والسنة في اي حكم او قضاء.
- واما المقر باصل حكم الله، الجاحد لفرع حكم الله فيقول يجب اتباع الكتاب والسنة في كل شيء الا في السارق فان الله امر بضربه ويحرف اية قطع يد السارق او ينكرها.
- اما المقر باصل حكم الله الرافض لفرع حكم الله فيقول نتبع الكتاب والسنة ولكن لا نطبق الحدود كلها او واحدا منها، مع انها موجودة في القرآن.
- اما المقر باصل حكم الله المقر بفرع حكم الله الحاكم بما انزل الله فيقول يجب الحكم بالكتاب والسنة ويجب قطع يد السارق وفلان سرق فاقطع يده.
- اما المقر بأصل حكم الله المقر بفرع حكم الله الحاكم بغير ما أنزل الله فيقول يجب الحكم بالكتاب والسنة ويجب قطع يد السارق وفلان لم يسرق فلا أقطع يده،
-أو يقول لم استطع قطع يد السارق لأن ذلك مخالف للقوانين المفروضة من الدولة مع أن الواجب على الناس هو الحكم بما أنزل الله.
والمقصود أن نميز خاصة بين حالتين لم تقطع فيها يد السارق مع ثبوت التهمة في حقه:
١ . الذي قال لا اقطع يده انكارا او رفضا لاصل او فرع حكم الله، فهذا كفر اكبر
٢. الذي قال لا اقطع يده لانه لم يسرق ولو سرق لقطعت يده وحكم السارق قطع اليد واؤمن بكل حكم حكم الله به، فهذا كفر اصغر.
قال الإمام مالك رحمة الله عليه : ما تعمد الإمام من جور فجار به على الناس انه يقاد منه. وقال : أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب من أنفسهما. مصدره المدونة الكبرى ، باب في القاضي يتعمد الجور أو يخطئ في القضية. (يقاد منه: يقتص منه) (الجور: الظلم).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. آمين.